قائلها قال بعض أصحاب الحقيقة أن لسان جعفر الصادق عليه السلام في ذلك الوقت كان كشجرة موسى على نبينا وعليه السلام عند قول أني أنا الله ومنها أنه لما كان الحمد وهو إظهار صفات الكمال في حال غيبة المحمود أولى وأتم وكانت العبادة مما لا يليق للغائب وإنما يستحقها من هو حاضر لا يغيب كما حكى سبحانه عن إبراهيم على نبينا وعليه السلام فلما أفلت قال لا أحب الآفلين لا جرم عز سبحانه عن الحمد وإظهار الصفات بطريق الغيبة وعنها بطريق الخطاب والحضور إعطاء كل منها ما هو به حقيق من الأسلوب الفايق الرشيق ومنها أن العابد لما أراد أن يتكلم على لسان غيره من المقربين ويمزج عبادته المعيبة بعبادتهم ليقبل ببركتها على ما مر ساق الكلام على النمط اللايق بحالهم والنسق المناسب لمقامهم ومقالهم فإن مقامهم مقام الخطاب مع حضرة المعبود لإرتقائهم عن عوالم الغيبة إلى معالم الحضور والشهود ولو أتى بما ينبئ عن الغيبة لكان كاملا زار لشأنهم والإغضاء من رفعه مكانهم و منها أن العابد لما رام التشبيه بالقوم الذين لا يشقى من يشبه بهم سلك مسالكهم في الذكر والفكر والتأمل في تلك الأسماء العظيمة و الصفات الجليلة ثم انخرط في مسلكهم وتطفل عليهم وتكلم بلسانهم وساق كلامه على طبق مساقهم عسى أن يصير بمضمون من تشبه بقوم فهو منهم محسوبا في أعدادهم ومندرجا في مساقهم ومنها الإشارة إلى من لزم جادة الأدب والانكسار ورأى نفسه بمراحل عن ساحة القرب لغاية الاحتقار فهو حقيق أن تدركه رحمة الهبة وتلحقه عناية أزلية تجذبه إلى حظاير القدس وتوصله إلى محاضر الأنس فيقوم على بساط الاقتراب ويفوز بعز الحضور والخطاب ومنها أنه لما لم يكن في ذكر صفات الكمال مزيد كلفة بخلاف العبادة فإنها العظم خطبها مشتملة على كلفة ومشقة ومن دأب المحب أن يتحمل من المشاق العظيمة في حضور المحبوب ما لا يحتمل عشر عشيره في غيبته بل يحصل له بسبب ذلك الاطلاع والحضور غاية الابتهاج والسرور قرن سبحانه العبادة بما يشعر بحضوره ونظره جل شأنه إلى العابد ليحصل بذلك تدارك ما فيها من الكلفة وينجبر ما يلزمها من المشقة ويأتي بها العابد خالية عن الكلال عارية عن الفتور والملال مقرونة بكمال البساط موجبة لتمام الانبساط ومنها أن الحمد كما سبق إظهار صفات الكمال على الغير فما دام للأغيار وجود في نظر السالك فهو يواجههم بإظهار كمالات المحبوب عليهم وذكر مآثره الجليلة لديهم وأما إذا آل أمره بملاحظة الآثار وملازمة الأذكار إلى ارتفاع الحجب والأستار واضمحلال جميع الأغيار لم يبق في نظره سوى المعبود بالحق والجمال المطلق وانتهى إلى مقام الجمع وصار أينما يولي فثم وجه الله فبالضرورة لا يصير توجيه الخطاب لا إليه ولا يمكن ذكر شئ إلا لديه فيغطف عنان لسانه نحو عز جنابه ويصير كلامه منحصرا في خطابه وفوق هذا المقام مقام لا بفئ تقريره الكلام ولا يقدر على تحريره الأقلام بل لا يزيد الكشف إلا سترا وخفاء ولا يكسبه إلا غموضا واعتلاء وإن قميصا خيط من نسج تسعة وعشرين حرفا عن معاليه قاصر فهذه أربعة عشر وجها في نكات هذا الالتفات لم تنتظم إلى هذا الزمان في سلك والله الهادي اللهم هب لنا نفحة من نفحات قدسك تكشف عن بصائرنا الغواشي الجسمانية وتصرف عن ضمائرنا النواشي الهيولانية واجعل أعين قلوبنا وقفا على ملاحظة جلالك طلقا في مطالعة أنوار جمالك حتى لا تطمح إلى من سواك بنظر ولا تحس
(٤٠٥)