بالوعد والتعريض بالوعيد جرى قوله تعالى شأنه " لئن شكرتم " ثم " لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد " حيث لم يقل لأعذبنكم وأغلب الآيات المتضمنة لذكر العفو والعقاب مؤذنة بترجيح جانب العفو إيذانا ظاهرا كما في قوله تعالى " يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما " فإن ظاهر المقابلة مقتضى وكان الله غفورا معذبا أو منتقما ونحو ذلك فعدل سبحانه عنه إلى تكرير الرحمة ترجيحا لجانبها وكما في قوله عز سلطانه " غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول " حيث وحد جل وعلا صفة العقاب وجعلها مغمورة بالمتعدد من صفات الرحمة إلى غير ذلك من الآيات البينات والضلال العدول عن الطريق السوي عمدا أو خطأ وله عرض عريض ويكفي في التنبيه على تشعب طرقه قوله صلى الله عليه وآله ستفرق أمتي ثلاثا وسبعين فرقة فرقة ناجية والباقون في النار وأيضا فالمستقيم من الواصلة بين النقطتين واحد وأما المعوجات فلا حد لها فصل قد اشتهر تفسير المغضوب عليهم باليهود والضالين بالنصارى وربما روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وقد يؤيد بقوله عز من قائل في حق اليهود " من لعنه الله وغضب عليه " وفي حق النصارى " قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا " وقيل المراد بهما مطلق الكفار وقيل المطلق الموصوفين بالعنوانين من الكفار وغيرهم وربما يقال المغضوب عليهم هم العصاة المخالفون للأوامر والنواهي والضالون هم الجاهلون بالاعتقاديات الحقة التي بها يتم الدين لأن المنعم عليه من وفق للجمع بين العلم والأحكام الاعتقادية والعمل بما يقتضيه الشريعة المطهرة فالمقابل له من اختل إحدى قوتيه أما العاقلة أو العاملة والثاني مغضوب عليه لقوله تعالى في القائل عمدا وغضب عليه والأول ضال لقوله تعالى " فماذا بعد الحق إلا الضلال " ولفظ غير أما بدل كل من الموصول على معنى أن المنعم عليهم هم الذين سلموا من الغضب والضلال أو صفة له وهي في كل من الوجوه الأربعة في المغضوب عليهم على كل من الأربعة السابقة في تفسير المنعم عليهم مبنية إن أريد بالثاني والرابع منهما الكل كما هو الظاهر وإن أريد الأعم فكذلك على ما عدا الثالث والرابع من اللاحقة وأما عليهما فمقيدة وكيف كان فتعرف الموصوف الموصولية وتغول الصفة في النكارة يحوج إلى إخراج أحدهما عن صرافته أما يجعل غير بالإضافة إلى ذي الضد الواحد وهو المنعم عليهم متعينة تعيين المعارف فينكسر بذلك سورة نكارتها فيصح وصف المعارف بها كما في قولهم عليك بالحركة غير السكون وأما يجعل الموصول مقصودا به جماعة من الطوائف الأربع لا بأعيانهم فيجري حينئذ مجري النكرات كذي اللام الذي يراد به الجنس في ضمن بعض الأفراد لا بعينه كما في قوله ولقد أمر على اللئيم يسبني ولعل الأول أولى فإن إرادة البعض الغير المعين من المنعم عليهم تورث خدشا ما في بدلية صراطهم من الصراط المستقيم فإن مدارها على كون صراطهم علما في الاستقامة ومعلوم أن ذلك من حيث انتسابه إلى كلهم لا إلى بعضهم ولفظة لا بعد الواو العاطفة في سياق النفي تفيد التأكيد والتصريح بشموله كل واحد من المتعاطفين وأن المنفي ليس هو المجموع وسوغ مجيئها هنا تضمن لفظة غير المغايرة والنفي معا ولذلك جاز أنا زيد غير ضارب رعاية لجانب النفي فتصير الإضافة بمنزلة العدم فيجوز تقديم معمول المضاف إليه على المضاف كما جاز أنا زيدا لا ضارب و إن لم يخبر في أنا مثل ضارب زيدا أنا زيدا مثل ضارب لامتناع وقوع المعمول حيث يمتنع وقوع العامل هذا ولنجعل خاتمة تفسير الفاتحة بعض الأحاديث المعتبرة الواردة في فضلها روي في مجمع البيان أن النبي صلى الله عليه وآله
(٤٠٩)