بعص الله ورسوله فان له نار جهنم خالدين فيها أبدا وأجاب أهل السنة بأنها نزلت في الكفار وعلى تسليم أنها في أعم من ذلك فقد ثبت تخصيص الموحدين بالاخراج ولعل التأبيد في حق من يتأخر بعد شفاعة الشافعين حتى يخرجوا بقبضة أرحم الراحمين كما سيأتي بيانه في شرح حديث الباب الذي يليه فيكون التأبيد مؤقتا وقال عياض استدل بهذا الحديث من جوز الخطايا على الأنبياء كقول كل من ذكر فيه ما ذكر وأجاب عن أصل المسئلة بأنه لا خلاف في عصمتهم من الكفر بعد النبوة وكذا قبلها على الصحيح وكذا القول في الكبيرة على التفصيل المذكور ويلتحق بها ما يزري بفاعله من الصغائر وكذا القول في كل ما يقدح في الابلاغ من جهة القول واختلفوا في الفعل فمنعه بعضهم حتى في النسيان وأجاز الجمهور السهو لكن لا يحصل التمادي واختلفوا فيما عدا ذلك كله من الصغائر فذهب جماعة من أهل النظر إلى عصمتهم منها مطلقا وأولوا الأحاديث والآيات الواردة في ذلك بضروب من التأويل ومن جملة ذلك أن الصادر عنهم اما ان يكون بتأويل من بعضهم أو بسهو أو بإذن لكن خشوا أن لا يكون ذلك موافقا لمقامهم فأشفقوا من المؤاخذة أو المعاتبة قال وهذا أرجح المقالات وليس هو مذهب المعتزلة وان قالوا بعصمتهم مطلقا لان منزعهم في ذلك التكفير بالذنوب مطلقا ولا يجوز على النبي الكفر ومنزعنا ان أمة النبي مأمورة بالاقتداء به في أفعاله فلو جاز منه وقوع المعصية للزم الامر بالشئ الواحد والنهي عنه في حالة واحدة وهو باطل ثم قال عياض وجميع ما ذكر في حديث الباب لا يخرج عما قلناه لان أكل آدم من الشجرة كان عن سهو وطلب نوح نجاة ولده كان عن تأويل ومقالات إبراهيم كانت معاريض وأراد بها الخير وقتيل موسى كان كافرا كما تقدم بسط ذلك والله أعلم وفيه جواز إطلاق الغضب على الله والمراد به ما يظهر من انتقامه ممن عصاه وما يشاهده أهل الموقف من الأهوال التي لم يكن مثالها ولا يكون كذا قرره النووي وقال غيره المراد بالغضب لازمه وهو إرادة ايصال السوء للبعض وقول آدم ومن بعده نفسي نفسي نفسي أي نفسي هي التي تستحق أن يشفع لها لان المبتدأ والخبر إذا كانا متحدين فالمراد به بعض اللوازم ويحتمل أن يكون أحدهما محذوفا وفيه تفضيل محمد صلى الله عليه وسلم على جميع الخلق لان الرسل والأنبياء والملائكة أفضل ممن سواهم وقد ظهر فضله في هذا المقام عليهم قال القرطبي ولو لم يكن في ذلك الا الفرق بين من يقول نفسي نفسي وبين من يقول أمتي أمتي لكان كافيا وفيه تفضيل الأنبياء المذكورين فيه على من لم يذكر فيه لتأهلهم لذلك المقام العظيم دون من سواهم وقد قيل انما اختص المذكورون بذلك لمزايا أخرى لا تتعلق بالتفضيل فآدم لكونه والد الجميع ونوح لكونه الأب الثاني وإبراهيم للامر باتباع ملته وموسى لأنه أكثر الأنبياء تبعا وعيسى لأنه أولى الناس بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الحديث الصحيح ويحتمل أن يكونوا اختصوا بذلك لانهم أصحاب شرائع عمل بها من بين من ذكر أولا ومن بعده وفي الحديث من الفوائد غير ما ذكر أن من طلب من كبير أمرا مهما أن يقدم بين يدي سؤاله وصف المسؤول بأحسن صفاته وأشرف مزاياه ليكون ذلك أدعى لاجابته لسؤاله وفيه أن المسؤول إذا لم يقدر على تحصيل ما سئل يعتذر بما يقبل منه ويدل على من يظن أنه يكمل في القيام بذلك فالدال على الخير كفاعله وانه يثنى على المدلول عليه بأوصافه المقتضية لأهليته ويكون أدعى لقبول عذره في
(٣٨٣)