قيمة أوقية فقد ألحف وزاد في رواية هلال ومن سألنا اما ان نبذل له واما أن نواسيه ومن يستعف أو يستغن أحب إلينا ممن يسألنا (قوله ولن تعطوا عطاء) في رواية مالك وما أعطى أحد عطاء وأعطى بضم أوله على البناء للمجهول (قوله خيرا وأوسع من الصبر كذا بالنصب في هذه الرواية وهو متجه ووقع في رواية مالك هو خير بالرفع ولمسلم عطاء خير قال النووي كذا في نسخ مسلم خير بالرفع وهو صحيح والتقدير هو خير كما في رواية البخاري يعني من طريق مالك وفي الحديث الحض على الاستغناء عن الناس والتعفف عن سؤالهم بالصبر والتوكل على الله وانتظار ما يرزقه الله وان الصبر أفضل ما يعطاه المرء لكون الجزاء عليه غير مقدر ولا محدود وقال القرطبي معنى قوله من يستعف أي يمتنع عن السؤال وقوله يعفه الله أي أنه يجازيه على استعفافه بصيانة وجهه ودفع فاقته وقوله ومن يستغن أي بالله عمن سواه وقوله يغنه أي فأنه يعطيه ما يستغني به عن السؤال ويخلق في قلبه الغنى فإن الغنى غنى النفس كما تقدم تقريره وقوله ومن يتصبر أي يعالج نفسه على ترك السؤال ويصبر إلى أن يحصل له الرزق وقوله يصبره الله أي فإنه يقويه ويمكنه من نفسه حتى تنقاد له ويذعن لتحمل الشدة فعند ذلك يكون الله معه فيظفره بمطلوبه وقال ابن الجوزي لما كان التعفف يقتضي ستر الحال عن الخلق وإظهار الغنى عنهم فيكون صاحبه معاملا لله في الباطن فيقع له الربح على قدر الصدق في ذلك وانما جعل الصبر خير العطاء لأنه حبس النفس عن فعل ما تحبه والزامها بفعل ما تكره في العاجل مما لو فعله أو تركه لتأذى به في الآجل وقال الطيبي معنى قوله من يستعفف يعفه الله أي ان عف عن السؤال ولو لم يظهر الاستغناء عن الناس لكنه ان أعطى شيئا لم يتركه يملا الله قلبه غني بحيث لا يحتاج إلى سؤال ومن زاد على ذلك فاظهر الاستغناء فتصبر ولو أعطى لم يقبل فذاك أرفع درجة فالصبر جامع لمكارم الأخلاق وقال ابن التين معنى قوله يعفه الله اما ان يرزقه من المال ما يستغني به عن السؤال واما ان يرزقه القناعة والله أعلم * الحديث الثاني حديث المغيرة (قوله حتى ترم) بكسر الراء وقوله أو تنتفخ شك من الراوي وهو بمعناه وقوله فيقال له القائل له ذلك عائشة (قوله أفلا أكون عبدا شكورا) تقدم شرحه مع شرح بقية الحديث مستوفى في أوائل أبواب التهجد ووجه مناسبته للترجمة أن الشكر واجب وترك الواجب حرام وفي شغل النفس بفعل الواجب صبر على فعل الحرام والحاصل أن الشكر يتضمن الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية قال بعض الأئمة الصبر يستلزم الشكر لا يتم الا به وبالعكس فمتى ذهب أحدهما ذهب الاخر فمن كان في نعمة ففرضه الشكر والصبر أما الشكر فواضح وأما الصبر فعن المعصية ومن كان في بلية ففرضه الصبر والشكر أما الصبر فواضح وأما الشكر فالقيام بحق الله عليه في تلك البلية فإن لله على العبد عبودية في البلاء كماله عليه عبودية في النعماء ثم الصبر على ثلاثة أقسام صبر عن المعصية فلا يرتكبها وصبر على الطاعة حتى يؤديها وصبر على البلية فلا يشكو ربه فيها والمرء لابد له من واحدة من هذه الثلاث فالصبر لازم له أبدا لا خروج له عنه والصبر سبب في حصول كل كمال والى ذلك أشار صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث الأول ان الصبر خير ما أعطيه العبد وقال بعضهم الصبر تارة يكون لله وتارة يكون بالله فالأول الصابر لأمر الله طلبا لمرضاته فيصبر على الطاعة ويصبر عن المعصية والثاني المفوض لله بأن يبرأ من الحول والقوة ويضيف ذلك إلى ربه وزاد بعضهم الصبر
(٢٦١)