فجعيل خير من ملء الأرض مثل هذا قال فقلت يا رسول الله ففلان هكذا وتصنع به ما تصنع قال إنه رأس قومه فأتألفهم وذكر ابن إسحاق في المغازي عن محمد بن إبراهيم التيمي مرسلا أو معضلا قال قيل يا رسول الله أعطيت عيينة والأقرع مائة مائة وتركت جعيلا قال والذي نفسي بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض مثل عيينة والأقرع ولكني أتألفهما وأكل جعيلا إلى ايمانه ولجعيل المذكور ذكر في حديث أخيه عوف بن سراقة في غزوة بني قريظة وفي حديث العرباض ابن سارية في غزوة تبوك وقيل فيه جعال بكسر أوله وتخفيف ثانيه ولعله صغر وقيل بل هما أخوان وفي الحديث بيان فضل جعيل المذكور وأن السيادة بمجرد الدنيا لا أثر لها وانما الاعتبار في ذلك بالآخرة كما تقدم أن العيش عيش الآخرة وان الذي يفوته الحظ من الدنيا يعاض عنه بحسنة الآخرة ففيه فضيلة للفقر كما ترجم به لكن لا حجة فيه لتفضيل الفقير على الغني كما قال ابن بطال لأنه إن كان فضل عليه لفقره فكان ينبغي أن يقول خير من ملء الأرض مثله لا فقير فيهم وإن كان لفضله فلا حجة فيه (قلت) يمكنهم أن يلتزموا الأول والحيثية مرعية لكن تبين من سياق طرق القصة ان جهة تفضيله انما هي لفضله بالتقوى وليست المسئلة مفروضة في فقير متق وغني غير متق بل لا بد من استوائهما أولا في التقوى وأيضا فما في الترجمة تصريح بتفضيل الفقر على الغني إذ لا يلزم من ثبوت فضيلة الفقر أفضليته وكذلك لا يلزم من ثبوت أفضلية فقير على غنى أفضلية كل فقير على كل غني الحديث الثاني حديث خباب بن الأرت وقد تقدم بعض شرحه في الجنائز فيما يتعلق بالكفر ونحو ذلك وذكر في موضعين من الهجرة وأحلت بشرحه على المغازي فلم يتفق ذلك ذهولا (قوله حدثنا الحميدي حدثنا سفيان) هو ابن عيينة (عن الأعمش) وقع في أوائل الهجرة بهذا السند سواء حدثنا الأعمش (قوله عدنا) بضم المهملة من العيادة (قوله هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة) أي بأمره واذنه أو المراد بالمعية الاشتراك في حكم الهجرة إذ لم يكن معه حسا الا الصديق وعامر بن فهيرة (قوله نبتغي وجه الله أي جهة ما عنده من الثواب لا جهة الدنيا (قوله فوقع) في رواية الثوري كما مضى في الهجرة عن الأعمش فوجب وإطلاق الوجوب على الله بمعنى ايجابه على نفسه بوعده الصادق والا فلا يجب على الله شئ (قوله أجرنا على الله أي اثابتنا وجزاؤنا (قوله لم يأكل من أجره شيا) أي من عرض الدنيا وهذا مشكل على ما تقدم من تفسير ابتغاء وجه الله ويجمع بأن إطلاق الاجر على المال في الدنيا بطريق المجاز بالنسبة لثواب الآخرة وذلك أن القصد الأول هو ما تقدم لكن منهم من مات قبل الفتوح كمصعب بن عمير ومنهم من عاش إلى أن فتح عليهم ثم انقسموا فمنهم من أعرض عنه وواسى به المحاويج أولا فأولا بحيث بقي على تلك الحالة الأولى وهم قليل منهم أبو ذر وهؤلاء ملتحقون بالقسم الأول ومنهم من تبسط في بعض المباح فيما يتعلق بكثرة النساء والسراري أو الخدم والملابس ونحو ذلك ولم يستكثر وهم كثير ومنهم ابن عمر ومنهم من زاد فاستكثر بالتجارة وغيرها مع القيام بالحقوق الواجبة والمندوبة وهم كثير أيضا منهم عبد الرحمن بن عوف والى هذين القسمين أشار خباب فالقسم الأول وما التحق به توفر له أجره في الآخرة والقسم الثاني مقتضى الخبر أنه يحسب عليهم ما وصل إليهم من مال الدنيا من ثوابهم في الآخرة ويؤيده ما أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمر و رفعه ما من غازية تغزو
(٢٣٧)