فقال الشيخ - أدام الله عزه -: في ذلك منع لهم من اللطف، على ما ذكرت من قبل أنه لا ينكر أن يعلم الله سبحانه وتعالى منهم أنه لو دام ستره عنهم وإباحة الغيبة في ذلك الزمان بدلا من الظهور، لفسق هؤلاء الأولياء فسقا يستحقون به من العقاب مالا يفي أضعاف ما يفوتهم من الثواب، فأظهره سبحانه لهذه العلة، وكان ما يقطعهم به عنه من العذاب أرد عليهم وأنفع لهم مما كانوا يكتسبونه من فضل الثواب على ما تقدم به الكلام.
قال الشيخ - أيده الله -: ووجه آخر وهو أنه لا يستحيل أن يكون الله تعالى قد علم من حال كثير من أعداء الإمام عليه السلام أنهم يؤمنون عند ظهوره، ويعترفون بالحق عند مشاهدته، ويسلمون له الامر، وأنه إن لم يظهر في ذلك الزمان أقاموا على كفرهم، وازدادوا طغيانا بزيادة الشبهة عليهم، فوجب في حكمته تعالى إظهاره، لعموم الصلاح، ولو أباحه الغيبة لكان قد خص بالصلاح ومنع من اللطف في ترك الكفر، وليس يجوز على مذهبنا في الأصلح أن يخص الله تعالى بالصلاح، ولا يجوز أيضا أن يفعل لطفا في اكتساب بعض خلقه منافع تزيد على منافعه، إذ كان في فعل ذلك اللطف رفع لطفه لجماعة في ترك القبح، والانصراف عن الكفر به سبحانه، والاستخفاف بحقوق أوليائه عليهم السلام، لان الأصل والمدار على إنقاذ العباد من المهالك، وزجرهم من القبائح، وليس الغرض زيادتهم في المنافع خاصة، إذ كان الاقتطاع بالألطاف عما يوجب دوام العقاب أولى من فعل اللطف فيما يستزاد به من الثواب، لأنه ليس يجب على الله تعالى أن يفعل بعبده ما يصل معه إلى نفع يمنعه من أضعافه من النفع، وكذلك لا يجب عليه أن يفعل اللطف له في النفع بما يمنع غيره من أضعاف ذلك النفع، وهو إذا سلبه هذا اللطف لم يستدرجه به إلى فعل القبيح، ومتى فعل حال بين غيره وبين منافعه، ومنعه من لطف ما ينصرف به عن القبيح، وإذا كان الامر على ما بيناه كان هذان الفصلان يسقطان هذه