فقلت له: أما تقيته من أعدائه، فلا حاجة لي إلى الكلام فيها لظهور ذلك، وأما تقيته ممن لا يعرفه، فإنما قلت ذلك على غالب الظن وظاهر الحال، وذلك أنه ليس يبعد أن لو ظهر لهم لكانوا بين أمور: إما أن يسفكوا دمه بأنفسهم لينالوا بذلك المنزلة عند المتغلب على الزمان، ويجوزوا به المال والرياسة، أو يسعوا به إلى من يحل هذا الفعل به، أو يقبضوا عليه ويسلموه إليه، فيكون في ذلك عطبه وفي عطبه وهلاكه عظيم الفساد، وإنما غلب في الظن ذلك، لان الجاهل لحقه ليس يكون معه المعرفة التي تمنعه من السعي على دمه، ولا يعتقد في الكف عنه ما يعتقده المتدين بولايته، وهو يرى الدنيا مقبلة إلى من أوقع الضرر به، فلم يبعد منه ما وصفناه، بل قرب وبعد منه خلافه.
وأما وجه تقيته من بعض من يعتقد إمامته الان، فأن المعتقدين بذلك ليسوا بمعصومين من الغلط، ولا مأمونا عليهم الخطأ، بل ليس مأمونا عليهم العناد والارتداد، فلا ينكر أن يكون المعلوم منهم أنه لو ظهر لهم الإمام عليه السلام أو عرفوا مكانه أن تدعوهم دواعي الشيطان إلى الاغراء به، والسعي عليه، والاخبار بمكانه، طمعا في العاجلة، ورغبة فيها، وإيثارا لها على الأجلة، كما دعت دواعي الشيطان أمم الأنبياء إلى الارتداد عن شرايعهم، حتى غيرها جماعة منهم، وبدلها أكثرهم، وكما عاند قوم موسى نبيهم وإمامهم هارون، وارتدوا عن شرعه الذي جاء به هو وأخوه موسى عليهما السلام واتبعوا السامري، فلم يلتفتوا إلى أمر هارون ونهيه، ولا فكروا في وعظه وزجره، وإذا كان ذلك على ما وصفت، لم ينكر أن تكون هذه حال جماعة من منتحلي الحق في هذا الزمان لارتفاع العصمة عنهم.
وأما حكمي لنفسي، فإنه ليس يختصني، لأنه يعم كل من شاركني في المعنى الذي من أجله حكمت، وإنما خصصت نفسي بالذكر، لأنني لا أعرف غيري عينا على اليقين مشاركا لي في الباطن فادخله معي في الذكر، والمعنى