عدل إلى غيره استضر وما أشبه ذلك.
ومن خالفني في أسباب غلبة الظن قبح كلامه، فقلت له: إن هذا الذي أوردته لا نسبة بينه وبين الشريعة وأحكامها، وذلك أنه ليس شئ منه إلا وللخلق فيه عادة وبه معرفة، فإنما يغلب ظنونهم حسب عاداتهم، وأمارات ذلك ظاهرة لهم، والعقلاء يشتركون في أكثرها، وما اختلفوا فيه فلاختلاف عاداتهم خاصة، وأما الشريعة فلا عادة فيها ولا أمارة من درية ومشاهدة، لان النصوص قد جاءت فيها باختلاف المتفق في صورته وظاهر معناه، واتفاق المختلف في الحكم، وليس للعقول في رفع حكم منها وإيجابه مجال، وإذا لم يكن فيها عادة بطل غلبة الظن فيها.
ألا ترى أنه من لإعادة له بالتجارة، ولا سمع بعادة الناس فيها، لا يصح أن يغلب ظنه في نوع منها بربح ولا خسران، ومن لا معرفة له بالطرقات ولا بأغيارها ولا عادة له في ذلك، ولا سمع بعادة أهلها فليس يغلب ظنه بالسلامة في طريق دون طريق. ولو قدرنا وجود من لإعادة له بالمطر، ولا سمع بالعادة فيه لم يصح أن يغلب في ظنه مجئ المطر عند الغيم دون الصحو، وإذا كان الامر كما بيناه، وكان الاتفاق حاصلا على أنه لإعادة في الشريعة للخلق بطل ما ادعيت من غلبة الظن، وقمت مقام الأول في الاقتصار على الدعوى، فقال: هذا الان رد على الفقهاء كلهم، وتكذيب لهم فيما يدعونه من غلبة الظن، ومن صار إلى تكذيب الفقهاء كلهم قبحت مناظرته، فقلت له: ليس كل الفقهاء يذهب مذهبك في الاعتماد في المعاني والعلل على غلبة الظن، بل أكثرهم يزعم أنه يصل إلى ذلك بالاستدلال والنظر، فليس كلامنا ردا على الجماعة، وإنما رد عليك وعلى فرقتك خاصة فإن كنت تقشعر من ذلك فما ناظرناك إلاا له، ولا خالفناك إلا من أجله، مع أن الدليل إذا أكذب اكذب الجماعة، فلا حرج علينا في ذلك ولا لوم، بل اللوم لهم إذا صاروا إلى ما تدل الدلائل على بطلانه،