الطلب بدمه، وإن أطيب التوبة والخير في العاقبة أن يعرف من لا حجة له الحجة عليه وذلك أقطع للبغي، وأقرب للمناصحة. وقد رضينا أن تعرضوا ذنوبه على كتاب الله أولها وآخرها فإن أحل الكتاب دمه برئنا منه وممن تولاه ومن يطلب دمه وكنتم قد أجرتم في أول يوم وآخره، وإن كان كتاب الله يمنع دمه ويحرمه تبتم إلى الله ربكم، وأعطيتم الحق من أنفسكم في سفك دم بغير حله بعقل أو قود، أو براءة ممن فعل ذلك وهو ظالم. ونحن قوم نقرأ القرآن وليس يخفى علينا منه شئ، فأفهمونا الأمر الذي استحللتم عليه دماءنا.
قالوا: نعم قد بعثنا منا رجلا ومنكم رجلا يقرآن القرآن كله ويتدارسان ما فيه، وينزلان عند حكمه علينا وعليكم. وإنا قد بعثنا منا من هو عندنا مثل أنفسنا، وجعلنا لهما أن ينتهيا إليه، وأن يكون أمرهما على تؤدة، ونسأل عما يجتمعان عليه وما يتفرقان عنه، فإنما فارقناكم في تفسيره ولم نفارقكم في تنزيله. ونحن وأنتم نشهد أنه من عند الله، فإنما نريد أن نسأل عنه مما تفسرون، مما جهلنا نحن تفسيره، فنسأل عنه أهل العلم منا ومنكم، فأعطيناكم على هذا الأمر ما سألتم من شأن الحكمين. وإنما بعثا ليحكما بكتاب الله، يحييان ما أحيا الكتاب ويميتان ما أمات الكتاب، فأما ما لم يجدا في الكتاب فالسنة العادلة الجامعة غير المفرقة. ولم يبعثا ليحكما بغير الكتاب. ولو أرادا اللبس على أمة محمد لبرئت منهما الذمة، وليس لهما على أمة محمد حكم.
فلما سمع المسلمون قولهم علموا أن على كل مخاصم إنصاف خصيمه وقبول الحق منه وإن كان قد منعه فقاتل عليه، لأنهم إلى الحق دعوا أول يوم، وبه عملوا يقينا غير شك، ومن الباطل استعتبوا، وعلى عماية قتلوا من قتلوا.
ونظر القوم في أمرهم، وشاوروا قائدهم، وقالوا: قد قبلنا من عثمان بن عفان حين دعي إلى الله والتوبة من بغيه وظلمه، وقد كان منا عنه كف حين أعطانا أنه تائب حتى جرى علينا حكمه بعد تعريفه ذنوبه، فلما لم يتم التوبة وخالف