امتلأت الدنيا بهم، وتكلم على عادته فأطال، فلما مر ذكر صفات الباري سبحانه في أثناء الوعظ، قام إليه الكزي، فسأله أسئلة عقلية، على منهاج المتكلمين من المعتزلة، فلم يكن للواعظ عنها جواب نظري، وإنما دفعه بالخطابة والجدل، وسجع الألفاظ، وتردد الكلام بينهما طويلا.
وقال الواعظ في آخر الكلام: أعين المعتزلة حول، وأصواتي في مسامعهم طبول، وكلامي في أفئدتهم نصول، يا من بالاعتزال يصول، ويحك كم تحوم وتجول حول من لا تدركه العقول! كم أقول كم أقول، خلو هذا الفضول!
فارتج المجلس، وصرخ الناس، وعلت الأصوات، وطاب الواعظ وطرب، وخرج من هذا الفصل إلى غيره فشطح شطح الصوفية، وقال: سلوني قبل أن تفقدوني، وكررها.
فقام إليه الكزي، فقال: يا سيدي ما سمعنا أنه قال هذه الكلمة إلا علي ابن أبي طالب عليه السلام، وتمام الخبر معلوم. وأراد الكزي بتمام الخبر قوله عليه السلام: " لا يقولها بعدي إلا مدع ".
فقال الواعظ وهو في نشوة طربه، وأراد إظهار فضله ومعرفته برجال الحديث والرواة: من علي بن أبي طالب؟ أهو علي بن أبي طالب بن المبارك النيسابوري؟ أم علي بن أبي طالب بن إسحاق المروزي؟ أم علي بن أبي طالب بن عثمان القيرواني؟ أم علي بن أبي طالب بن سليمان الرازي؟
وعد سبعة أو ثمانية من أصحاب الحديث كلهم علي بن أبي طالب.
فقام الكزي، وقام من يمين المجلس آخر ومن يسار المجلس ثالث، انتدبوا له، وبذلوا أنفسهم للحمية ووطنوها على القتل.
فقال الكزي: أشا يا سيدي فلان الدين، أشا! صاحب هذا القول هو علي بن أبي طالب زوج فاطمة سيدة نساء العالمين عليها السلام، وإن كنت ما عرفته بعد بعينه فهو الشخص الذي لما آخى رسول الله صلى الله عليه وآله بين