إن استطعت ألا يمضي يوم يمر بي إلا أن يأتيني فيه خبره فافعل، فلم يزل يكتب إليه بحاله حتى توفي.
فكتب إليه بذلك، فلما أتاه الخبر أظهر فرحا وسرورا حتى سجد وسجد من كان معه، فبلغ ذلك عبد الله بن عباس - وكان بالشام يومئذ - فدخل على معاوية، فلما جلس قال معاوية: يا ابن عباس هلك الحسن بن علي! فقال ابن عباس: نعم هلك إنا لله وإنا إليه راجعون! ترجيعا مكررا، وقد بلغني الذي أظهرت من الفرح والسرور لوفاته، أما والله! ما سد جسده حفرتك، ولا زاد نقصان أجله في عمرك، ولقد مات وهو خير منك، ولئن أصبنا به لقد أصبنا بمن كان خيرا منه، جده رسول الله صلى الله عليه وآله فجبر الله مصيبته وخلف علينا من بعده أحسن الخلافة.
ثم شهق ابن عباس وبكى، وبكى من حضر في المجلس، وبكى معاوية!
فما رأيت أكثر باكيا من ذلك اليوم.
فقال معاوية: بلغني أنه ترك بنين صغارا، فقال ابن عباس: كلنا كان صغيرا فكبر.
فقال معاوية: كم أتى له من العمر؟ فقال ابن عباس: أمر الحسن أعظم من أن يجهل أحد مولده.
قال: فسكت معاوية يسيرا، ثم قال: يا ابن العباس أصبحت سيد قومك من بعده.
فقال ابن عباس: أما ما أبقى الله أبا عبد الله الحسين فلا.
قال معاوية: لله أبوك يا بن عباس! ما استنبأتك إلا وجدتك معدا (1).