أبو بكر وعمر (رض) فعمماه ولبساه. وقد صف الناس له ما بين حجرته إلى منبره، فجاء سعد بن معاذ وأسيد بن حضير فقالا للناس: قلتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلتم واستكرهتموه على الخروج، والامر ينزل عليه من السماء، فردوا الامر إليه فما أمركم فافعلوه، وما رأيتم فيه له هوى أو رأي فأطيعوه. فبينا هم على ذلك إذ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لبس لامته (1)، ولبس الدرع فأظهرها وحزم وسطها بمنطقة (2) [من أدم] (3) من حمائل سيف، واعتم، وتقلد السيف. فقال الذين يلحون:
يا رسول الله، ما كان لنا أن نخالفك، فاصنع ما بدا لك، فقال: " قد دعوتكم إلى هذا الحديث فأبيتم، ولا ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه، انظروا ما أمرتكم به فاتبعوه، امضوا على اسم الله فلكم النصر ما صبرتم ".
لعل الحكمة في استجابة رسول الله صلى الله عليه وآله لالحاح أصحابه في الخروج أنه لو لم يستجب لهم الرسول أثر في نفوسهم تأثيرا سيئا، وأولد فيهم الضعف والاستكانة بدل الاقدام والشجاعة، أما عدم استجابته لهم بعد أن طابقوا رأيه فقد ذكر هو صلى الله عليه وآله حكمته.
مثال آخر من عمل الرسول برأي أصحابه فيما أشاروا عليه: قصة جرت في غزوة الخندق نوردها في ما يلي:
غزوة الخندق روى الواقدي والمقريزي وقالا عن غزوة الخندق:
وأقام صلى الله عليه وسلم وأصحابه محصورين بضع عشرة ليلة حتى اشتد الكرب، وقال صلى الله عليه وسلم: " اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إنك إن تشأ لا تعبد. " وأرسل إلى عيينة بن حصن، والحارث بن عوف - وهما رئيسا غطفان - أن يجعل لهما ثلث ثمر المدينة ويرجعان بمن معهما، فطلبا نصف الثمر فأبى عليهم إلا الثلث، فرضيا. وجاءا في عشرة من قومهما حتى تقارب الامر، وأحضرت الصحيفة والدواة ليكتب عثمان بن عفان (رض) الصلح - وعباد بن بشر قائم