كما كان شأن مشورته إياهم في غزوة بدر فان الله كان قد اعلم رسوله صلى الله عليه وآله النتيجة مسبقا من أنهم سيقاتلون قريشا وينتصرون عليهم، وبعد المشاورة اعلمهم الرسول صلى الله عليه وآله نتيجة الامر، وأراهم مصارع قريش. إذا كانت الغاية من المشاورة توجيه المسلمين بأسلوب المشاورة إلى ما ينبغي ان يعملوه خلافا لإسلوب الملوك الجبارين الذين يملون آراءهم على الناس بقولهم مثلا: نحن ملك...
أصدرنا أمرنا الملكي بكذا...
وان صدر الآية يدل بوضوح على ما ذكرنا، فإنه تعالى قال: " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر... " فالمشاورة هنا من مصاديق الليونة وكونه رحمة من الله، اللتين وردتا في صدر الآية.
تارة تكون الغاية من المشاورة الملاينة كالمثال السابق، وتارة تكون الغاية تربية نفوس المسلمين، كما كان شأن المشاورة في غزوة أحد فان رسول الله صلى الله عليه وآله بعد ان اخذ برأيهم ولبس لامة حربه بقصد السير إلى أحد، ندموا على الحاحهم على الرسول صلى الله عليه وآله بالخروج، وقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان لنا ان نخالفك فاصنع ما بدا لك، فقال: " قد دعوتكم إلى هذا فأبيتم، ولا ينبغي لنبي إذا لبس لامته ان يضعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه ".
يظهر من المحاورات التي دارت بين الرسول صلى الله عليه وآله وأصحابه في هذه الواقعة، ان عدم استجابة الرسول صلى الله عليه وآله لرغبتهم العارمة في الخروج كان يؤثر على نفوسهم تأثيرا سيئا، ويولد فيهم ضعف النفس والتردد وعدم الاقدام في الحروب.
ثانيا: مناقشة الاستدلال بالبيعة عرفنا في ما سبق: ان البيعة كالبيع تنعقد بالرضا والاختيار وليس بحد السيف والجبر، وانه لا بيعة في معصية، ولا في خلاف ما أمر الله به، وانه لا بيعة لمن يعصي الله.