فقد خول نبيه في هذه الآية ان يحكم بين أهل الكتاب وفي آية أخرى أمر بان يتخذوا حكما من الناس بقوله تعالى " وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا اصلاحا يوفق الله " النساء 35.
ولا منافاة بين الآيتين فان الآية الأولى عندما أثبتت (الحكم) لله لم تثبت له حكما محدودا مثل ما للقضاة في المحاكم بان لهم أن يحكموا بين الناس بموجب القوانين المرعية وانه ليس لهم ان يعينوا حاكما من قبلهم وإنما ذلك لذي سلطة أعلى، وعلى هذا فليس للقضاة (الحكم) مطلقا وإنما لهم أن يحكموا بين الناس فحسب ولكن الله له ان يحكم بين الناس بموجب حكمه وله ان يأذن لغيره بالحكم أي له ان يعين حاكما على أي جهة في ملكه فله الحكم مطلقا وعلى هذا فان الأنبياء بحكم الله يحكمون حين يحكمون وكذلك الاثنان اللذان يحكمان بين الزوجين - إذا فان حكم أولئك الحكام إذا حكموا بموجب ما أمر الله ليس حكم ما سوى الله ولا حكم غير الله ولا حكم دون الله ولا حكم مع الله وإنما هو حكم بأمر الله وحكم بإذن الله.
وكذلك الشأن بالنسبة إلى بعض الآيات الأخرى التي تثبت بعض الصفات لله فإنها لا تثبتها لله محدودة بحد وإنما تثبتها لله مطلقا. مثل اثبات صفة الملك لله تعالى.
صفة الملك لله.
لا منافاة في اثبات صفة الملك لله في قوله تعالى: " ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما واليه المصير " (المائدة 18) وقوله تعالى " لم يتخذ ولد ولا شريك له في الملك " الاسراء 111 والفرقان 2، وأمثالهما وبين قوله تعالى:
وما ملكت ايمانكم " النساء 3 و 24 و 25 و 36 وآيات أخرى مثلها لأنه سبحانه وتعالى يقول: " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شئ قدير ". (آل عمران / 26).
إذا فان الله تعالى حين يملك عبده لم يملك العبد عندئذ مع الله، ولم يملك غير الله ولا سوى الله ولا دون الله، وإنما العبد وما يملك لمولاه، وان تملك العبد بإذن الله من أجلى مصاديق " الملك لله " أي ان ملك الله ليس محدودا كملك عبيده الذي يحد بحدود مشيئة الله واذن الله ولا حول للعبد ان يتصرف في ما خوله الله بأكثر مما حدد الله له في التصرف من زمان ومكان وسيطرة وكذلك الشأن في صفة الخالقية.