نور البراهين - السيد نعمة الله الجزائري - ج ٢ - الصفحة ٤٧٠
قال عمران: يا سيدي فإن الذي كان عندي أن الكائن قد تغير في فعله عن حاله بخلقه الخلق، قال الرضا عليه السلام: أحلت يا عمران في قولك: إن الكائن يتغير في وجه من الوجوه حتى يصيب الذات منه ما يغيره، يا عمران هل
____________________
ينطق، إذ ليس من شأنه النطق. وكذلك الله سبحانه لا يوصف بالنطق بالمعنى الذي فهمت، وهو مزاولته بلسان وشفة، أو بغير ذلك مما يوجب التغيير في ذاته، بل كلامه هو ايجاده للأصوات والحروف في الأجسام.
ثم لما كان هذا أيضا موهما لنوع تغير في ذاته تعالى، بأن يتوهم أن ايجاده بمنزلة الجوارح والآلات والاعمال أزال ذلك التوهم، بأن الألفاظ كثيرا ما تطلق في بعض الموارد مقارنا لبعض الأشياء، فيتوهم اشتراط تلك المقارنات في استعمالها وليس كذلك، والخلق والايجاد كذلك، فإنهما يطلقان في المخلوقين غالبا مقارنا لمزاولتهم الاعمال وتحريكهم الجوارح، واستعانتهم بالآلات، فيتوهم الجهال أنهما لا يطلقان الا بذلك، فبين عليه السلام ذلك بالتشبيه بالسراج أيضا، فإنه يقال: إنه يضئ وليس معنى اضاءته أنه يفعل فعلا يزاول فيه الاعمال والجوارح والآلات، أو أنه يحدث له عند ذلك إرادة وخطور بال، كما يكون في ضرب زيد وقتل عمرو، بل ليس الا استتباع ضوئه لاستضاءتنا، فكذلك الصانع تعالى ليس ايجاده بما يوجب تغييرا في ذاته من حدوث أمر فيه، أو مزاولة عمل، أو روية، أو تفكر، أو استعمال جارحة أو آلة، كما يكون في المخلوقين غالبا.
وليس الغرض التشبيه الكامل في ذلك حتى يلزم عدم كون ايجاده تعالى على وجه الإرادة والاختيار، بل فيما ذكرناه من الوجوه.
فقوله عليه السلام (ولا يقال إن السراج ليضئ فيما يريد أن يفعل بنا) النفي فيه راجع إلى القيد، أي: لا يطلق إضاءة السراج على فعل يريده أن يفعل بنا، لان الضوء من السراج ليس بفعل منه ولا كون واحداث، وإنما هو السراج حسب
(٤٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 465 466 467 468 469 470 471 472 473 474 475 ... » »»
الفهرست