أن نقطع بقبح فعل من الافعال لجهلنا بعلله. ولا أن نعمل في إخراجه عن حد العدل على ظاهر صورته، بل الوجه إذا أردنا أن نعرف حقيقة نوع من أنواع الفعل قد خفي علينا وجه الحكمة فيه أن نرجع إلى الدليل الذي يدل على حكمة فاعله ونفرغ إلى البرهان الذي يعرفنا حال محدثه، فإذا أوجبنا له في الجملة أنه لا يفعل إلا الحكمة والصواب وما فيه الصنع والرشاد لزمنا أن نعم بهذه القضية أفعاله كلها، جهلنا عللها أم عرفناها، إذ ليس في العقول قصرها على نوع من الفعل دون نوع ولا خصوصها في جنس دون جنس، ألا ترى أنا لو رأينا أبا قد ثبتت بالدلائل عندنا حكمته وصح بالبرهان لدينا عدله يقطع جارحة من جوارح ولده أو يكوي عضوا من أعضائه ولم نعرف
السبب في ذلك ولا العلة التي لها يفعل ما يفعله به لم يجز لجهلنا بوجه المصلحة فيه أن ننقض ما قد أثبته البرهان الصادق في الجملة من حسن نظره له ولارادته الخير به، فكذلك أفعال الله العالم بالعواقب والابتداء تبارك وتعالى لما أوجب الدليل في الجملة أنها لا تكون إلا حكمة ولا تقع إلا صوابا لم يجز لجهلنا بعلل كل منها على التفصيل أن نقف فيما عرفناه من جملة أحكامها، لا سيما وقد عرفنا عجز أنفسنا عن معرفة علل الأشياء وقصورها عن الإحاطة بمعاني الجزئيات، هذا إذا أردنا أن نعرف الجملة التي لا يسع جهلها من أحكام أفعاله عز
____________________
يحصل منهم ما يوجب العذاب والنار وغيرهما، كيف جاءت الاخبار في دخولهم نار التكليف أو غيرها؟ وملخص الجواب: أنه تعالى حكيم لا يفعل إلا ما تقتضيه المصلحة، فلا اعتراض عليه.