مفترقا لوجودهما فيه كما ألزمتم ذلك من يقول: إن المجتمع إنما يصير مجتمعا لانتفاء الافتراق ومفترقا لانتفاء الاجتماع، قيل له: إن الاجتماع والافتراق هما ضدان والأضداد تتضاد في الوجود فليس يجوز وجودهما في حال لتضادهما، وليس هذا حكمهما في النفي لأنه لا ينكر انتفاء الأضداد في حالة واحدة كما ينكر وجودها، فلهذا ما قلنا إن الجسم لو كان مجتمعا لانتفاء الافتراق ومفترقا لانتفاء الاجتماع لوجب أن يصير مجتمعا مفترقا لانتفائهما، ألا ترى أنه قد ينتفي عن الأحمر السواد والبياض مع تضادهما وأنه لا يجوز وجودهما واجتماعهما في حال واحدة، فثبت أن انتفاء الأضداد لا ينكر في حالة واحدة كما ينكر وجودها، وأيضا فإن القائل بهذا القول قد أثبت الاجتماع والافتراق والحركة والسكون وأوجب أن لا يجوز خلو الجسم منها لأنه إذا خلا منها يجب أن يكون مجتمعا مفترقا ومتحركا ساكنا إذ كان لخلوه منها ما يوصف بهذا الحكم، وإذا كان ذلك كذلك، وكان الجسم لم يخل من هذه الحوادث يجب أن يكون محدثا، ويدل على ذلك أيضا أن الانسان قد يؤمر بالاجتماع والافتراق والحركة والسكون ويفعل ذلك ويحمد به ويشكر عليه ويذم عليه إذ كان قبيحا، وقد علمنا أنه لا يجوز أن يؤمر بالجسم ولا أن ينهى عنه ولا أن يمدح من أجله ولا يذم له، فواجب أن يكون الذي امر به ونهي عنه واستحق من أجله المدح والذم غير الذي لا يجوز أن يؤمر به، ولا أن ينهى عنه، ولا أن يستحق به المدح والذم، فوجب بذلك إثبات الاعراض.
فان قال: فلم قلتم: إن الجسم لا يخلو من الاجتماع والافتراق