قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: من الدليل على حدث الأجسام أنا وجدنا أنفسنا وسائر الأجسام لا تنفك مما يحدث من الزيادة والنقصان وتجري عليها من الصنعة والتدبير ويعتورها من الصور والهيئات، وقد علمنا ضرورة أنا لم نصنعها ولا من هو من جنسنا وفي مثل حالنا صنعها، وليس يجوز في عقل، ولا يتصور في وهم أن يكون ما لم ينفك من الحوادث ولم يسبقها قديما، ولا أن توجد هذه الأشياء على ما نشاهدها عليه من التدبير ونعاينه فيها من اختلاف التقدير، لا من صانع، أو تحدث لا بمدبر، ولو جاز أن يكون العالم بما فيه من إتقان الصنعة وتعلق بعضه ببعض وحاجة بعضه إلى بعض، لا بصانع صنعه، ويحدث لا بموجد أوجده لكان ما هو دونه من الاحكام والاتقان أحق بالجواز وأولى بالتصور والامكان، وكان يجوز على هذا الوضع وجود كتابة لا كاتب لها، ودار مبنية لا باني لها، وصورة محكمة لا مصور لها، ولا يمكن في القياس أن تأتلف سفينة على أحكم نظم وتجتمع على أتقن صنع لا بصانع صنعها، أو جامع جمعها، فلما كان ركوب هذا وإجازته خروجا عن النهاية والعقول كان الأول مثله، بل غير ما ذكرناه في العالم وما فيه من ذكر أفلاكه واختلاف أوقاته وشمسه وقمره وطلوعهما وغروبهما ومجئ برده وقيظه
____________________
إلزامنا بأن تفرض في الأول عالما لا يكون فيه هذا التغير، فنقول في اطراد الدليل