وفي الكلب من اقتفاء الأثر وشم الرائحة ما ليس لغيره من الحيوانات و الجيفة أحب إليه من اللحم الغريض، ويأكل العذرة ويرجع في قيئه، وبينه وبين الضبع عداوة شديدة، وذلك إذا كان في موضع مرتفع ووطئت الضبع ظله في القمر رمى بنفسه إليها مخذولا فتأكله، وإذا دهن كلب بشحمها جن واختلط، وإذا حمل إنسان لسان ضبع لم تنبح عليه الكلاب، ومن طبعه أنه يحرس ربه ويحمي حرمه شاهدا وغائبا ذاكرا وغافلا نائما ويقظانا، وهو أيقظ الحيوان عينا في وقت حاجته إلى النوم، وإنما غالب نومه نهارا عند الاستغناء عن الحراسة، وهو في نومه أسمع من فرس وأحذر من عقعق، وإذا نام كسر أجفان عينيه ولا يطبقهما وذلك لخفة نومه وسبب خفته أن دماغه بارد بالنسبة إلى دماغ الانسان، ومن عجيب طباعه أنه يكرم الجلة من الناس وأهل الوجاهة ولا ينبح على أحد منهم وربما حاد عن طريقه وينبح على الأسود من الناس والدنس الثياب والضعيف الحال، ومن طباعه البصبصة والترضي والتودد والتألف بحث إذا دعي بعد الضرب وطرد رجع، وإذا لاعبه ربه عضه العض الذي لا يؤلم، وأضراسه لو أنشبها في الحجر لنشبت، ويقبل التأديب والتلقين والتعليم حتى لو وضعت على رأسه مسرجة وطرح له مأكول لم يلتفت إليه ما دام على تلك الحالة، فإذا أخذت المسرجة عن رأسه وثب إلى مأكوله، وتعرض له أمراض سودارية في زمن مخصوص ويعرض للكلب الكلب وهو بفتح اللام، وهو داء يشبه الجنون.
وعلامة ذلك أن تحمر عيناه وتعلوهما غشاوة وتسترخي أذناه ويندلع لسانه ويكثر لعابه وسيلان أنفه ويطأطئ رأسه وينحدب ظهره ويتعوج صلبه إلى جانب، ولا يزال يدخل ذنبه بين رجليه ويمشي خائفا مغموما كأنه سكران ويجوع فلا يأكل ويعطش فلا يشرب، وربما رأى الماء فيفزع منه، وربما يموت منه خوفا وإذا لاح له شبح حمل عليه من غير نبح والكلاب تهرب منه فان دنا منها غفلة بصبصت له وخضعت وخشعت بين يديه، فإذا عقر هذا الكلب إنسانا عرض له أمراض ردية: