حتى كاد أن يقتل نفسه، فعجب الملك (1) من ذلك وأمر باطلاقه فأطلق فغدا إلى الملك وقد رفع يده باللقمة إلى فيه فوثب الكلب وضربه على يده فطار اللقمة منها فغضب الملك وأخذ طبرا كان بجنبه وهم أن يضرب به الكلب، فأدخل الكلب رأسه في الاناء وولغ من ذلك الطعام وانقلب على جنبه وقد تناثر لحمه، فعجب الملك ثم التفت إلى الجارية فأشارت إليه بما كان من أمر الحية، ففهم الملك الامر وأمر بإراقة الطعام وتأديب الطباخ لكونه ترك الآنية مكشوفة، وأمر بدفن الكلب وببناء القبة عليه، وبتلك الكتابة التي رأيتها، قال: وهي أغرب ما يحكى.
وفي كتاب النشور (2) عن أبي عثمان المديني قال: إنه كان في بغداد رجل يلعب بالكلاب فأسحر يوما في حاجة له وتبعه كلب كان يختصه من كلابه فرده فلم يرجع فتركه ومشى حتى انتهى إلى قوم كان بينه وبينهم عداوة فصادفوه بغير عدة فقبضوا عليه والكلب يراهم وأدخلوه الدار، فدخل الكلب معهم فقتلوا الرجل وألقوه في بئر وطموا رأس البئر وضربوا الكلب وأخرجوه وطردوه، فخرج يسعى إلى بيت صاحبه فعوى فلم يعبأوا به وافتقدت أم الرجل ابنها وعلمت أنه قد تلف فأقامت عليه المأتم وطردت الكلاب عن بابها، فلزم ذلك الكلب الباب ولم ينطرد، فاجتاز يوما بعض قتلة صاحبه بالباب والكلب رابض فلما رآه وثب إليه وخمش (3) ساقيه ونهشه وتعلق به واجتهد المجتازون في تخليصه منه فلم يمكنهم، وارتفعت للناس ضجة عظيمة وجاء حارث الدرب فقال: لم يتعلق هذا الكلب بالرجل إلا وله معه قصة، ولعلة هو الذي جرحه، وسمعت أم القتيل الكلام فخرجت فحين رأيت الكلب متعلقا بالرجل تأملت الرجل فذكرت (4) أنه كان أحد أعداء ابنها وممن يتطلبه فوقع في نفسها أنه قاتل ابنها فتعلقت به، فرفعوهما إلى الراضي بالله فادعت عليه