وكان من جراء ذلك أن شدد الجهاز الحاكم على الإمام الصادق عليه السلام، وراقبه مراقبة شديدة، للحد من نشاطه وإيقاف المد الساري نحوه من قبل الفقهاء والعلماء والناس عامة للانتهال من نمير علمه الفياض، ولكن التيار أخذ طريقه، واكترع العلماء من ذلك المنهل الصافي رغم تشديد السلطة.
وكان طلاب العلم يتحينون الفرص للوصول إلى الإمام عليه السلام، وخوفا من عيون الخلفاء كانوا يقصدونه ليلا، ومع كل ذلك سار الفقه الشيعي شوطا واسعا، وترك لنا التاريخ تراثا عظيما من ذلك الفكر الثابت.
وقد ضبط الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في آخر الفائدة الرابعة من الوسائل (1) من الكتب المصنفة خلال حياة الأئمة الاثني عشر عليهم السلام (ستة آلاف وستمائة كتاب).
كما ويجب أن لا ننسى أن دور الفقهاء أنفسهم بإعطاء الزخم المعنوي والفكر الثقافي، وإمدادهم بما يجود به فكرهم الصائب من إرشادات قيمة كان عاملا حساسا وهاما في تقدم تلك المدرسة.
ولأصحاب الأئمة آراء كثيرة تعارض أقوال الأصحاب الآخرين، ومع ذلك فلم يطعن عليهم أي أحد. واعتمد الشيعة في اجتهادهم على الاستدلال المنطقي والتحليل العقلي في إطار القرآن والسنة.
وقد اعتمد الكثير من أصحاب الأئمة عليهم السلام على الاستدلال العقلي، واتهموا بذلك أنهم يعملون بالقياس، منهم: الفضل بن شاذان النيشابوري القمي المتوفى سنة 260 ه، المتكلم الشيعي المعروف ومؤلف كتاب الإيضاح وآراؤه معتبرة ومورد بحث في الطلاق والإرث ومسائل متفرقة أخرى (2) ومنهم: يونس بن عبد الرحمن الذي تعد نظراته في مباحث خلل الصلاة والزكاة والنكاح والإرث مورد الاعتماد (3) وزرارة بن أعين وجميل بن دراج من أخص صحابة الإمام الصادق