فجلس بحيث أسمع كلامه فلما استقر به المجلس إذ من أصحابه قد جاء فجلس إليه، فتكلم (ابن أبي العوجاء) فقال: لقد بلغ صاحب هذا القبر العز بكماله، وحاز الشرف بجميع خصاله، ونال الحظوة في كل أحواله، فقال له صاحبه: إنه كان فيلسوفا ادعى المرتبة العظمى، والمنزلة الكبرى، وأتى على ذلك بمعجزات بهرت العقول، وضلت فيها الأحلام، وغاصت الألباب على طلب علمها في بحار الفكر، فرجعت خاسئات، وهي حسر، فلما استجاب لدعوته العقلاء والفصحاء والخطباء، دخل الناس في دينه أفواجا، فقرن اسمه باسم ناموسه (1)، فصار يهتف به على رؤوس الصوامع، في جميع البلدان والمواضع، التي انتهت إليها دعوته، وعلتها كلمته، وظهرت فيها حجته برا وبحرا، سهلا وجبلا، في كل يوم وليلة خمس مرات مرددا في الأذان والإقامة، ليتجدد في كل ساعة ذكره، ولئلا يخمل أمره.
فقال (ابن أبي العوجاء): دع ذكر محمد (صلى الله عليه وعلى آله) فقد تحير فيه عقلي، وضل في أمره فكري. وحدثنا في الأصل الذي نمشي له... ثم ذكر ابتداء الأشياء، وزعم ذلك بإهمال لا صنعة فيه ولا تقدير، ولا صانع ولا مدبر، بل الأشياء تتكون من ذاتها بلا مدبر، وعلى هذا كانت الدنيا لم ولا تزال!