ووفائه فعند ذلك قم إلى عمرو بن يزيد النخاس وقل له: ان معي كتابا ملطفا لبعض الاشراف كتبه بلغة رومية وخط رومى ووصف فيه كرمه، ووفائه ونبله وسخاءه فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه فان مالت إليه ورضيته فانا وكيله في ابتياعها منك قال بشر بن سليمان النخاس: فامتثلت جميع ما حده لي مولاي أبو الحسن " عليه السلام " في امر الجارية، فلما نظرت في الكتاب بكت بكاء شديدا، وقالت لعمرو بن يزيد النخاس بعني من صاحب هذا الكتاب وحلفت بالمحرجة المغلظة انه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها فما زلت أشاحه في ثمنها حتى استقر الامر على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي من الدنانير في الشستقة الصفراء فاستوفاه منى وتسلمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة وانصرفت بها إلى حجرتي التي كنت آوى إليها ببغداد فما اخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولانا من جيبها وهي تلثمه وتضعه على خدها، وتمسحه على ثديها فقلت تعجبا منها أتلثمين كتابا ولا تعرفين صاحبه؟ قالت: أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء أعرني سمعك وفرغ لي قلبك انا ملكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وانا من ولد الحواريين ينسب إلى وصى المسيح شمعون أنبئك العجيب ان جدي قيصر أراد أن يزوجني من ابن أخيه وانا من بنات ثلاث وعشرة سنة فجمع من نسل الحواريين من القسيسين والرهبان ثلاثمائة رجل، ومن ذوي الاخطار منهم سبعمائة رجل وجمع من أمراء الأجناد وقواد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف وابرز من نهر ملكه عرشا مرصعا من أصناف الجواهر إلى صحن القصر فرفعه فوق أربعين مرقاة، فلما صعده ابن أخيه وأحدقت به الصلبان، وقامت الأساقفة عكفا ونشرت أسفار الإنجيل تسافلت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض وتقوضت الأعمدة فانهارت إلى القرار، وخر الصاعد من العرش مغشيا عليه فتغيرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم لجدي أيها الملك اعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة على زوال هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني فتطير جدي من ذلك تطيرا شديدا، وقال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا الصلبان، واحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جده لأزوج منه هذه الصبية فيدفع نحوسه عنكم بسعوده، فلما فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الأول فتفرق الناس وقام جدي قيصر مغتما فدخل قصره وأرخيت الستور ورأيت من تلك الليلة كأن المسيح وشمعون وعدة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدي ونصبوا فيه
(٢٥٣)