يومى ذلك قلقا متفكرا في امره وأمر أبى، وما رأيته فيه حتى كان الليل، وكان عادته ان يصلي العتمة ثم يجلس فينظر فيما يحتاج إليه من المؤامرات وما يرفعه من السلطان فلما صلى وجلس جئت فجلست بين يديه وليس عنده أحد، فقال لي: يا أحمد ألك حاجة؟ قلت نعم يا أبة فان أذنت سألتك عنها، فقال: قد أذنت فقلت: يا أبة من الرجل الذي رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الاجلال والاكرام والتبجيل وفديته بنفسك وأبويك؟ فقال: يا بنى ذاك إمام الرافضة الحسن بن علي المعروف بابن الرضا ثم سكت ساعة وانا ساكت ثم قال: لو زالت الإمامة من خلفائنا بنى العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غيره لفضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته وجميع أخلاقه، ولو رأيت أباه رأيت رجلا جزلا نبيلا فازددت قلقا وتفكرا وغيظا على أبي وما سمعت منه ورأيته من فعله به فلم يكن لي همة بعد ذلك إلا السؤال عن خبره والبحث عن أمره، فما سألت أحدا من بني هاشم والقواد، والكتاب والقضاة والفقهاء، وسائر الناس إلا وجدته عنده في غاية الاجلال والاعظام والمحل الرفيع، والقول الجميل والتقديم له على جميع أهل بيته ومشايخه فعظم قدره عندي إذ لم أر له وليا، ولا عدوا إلا وهو يحسن القول فيه والثناء عليه، وقال بعض من حضر مجلسه من الأشعريين: فما خبر أخيه جعفر وكيف كان منه في المحل؟ فقال: ومن جعفر حتى يسأل عن خبره أو يقرن بالحسن، جعفر معلن بالفسق فاجر يترتب للخمور أقل من رأيت من الرجال وأهتكهم لنفسه خفيف قليل في نفسه ولقد ورد على السلطان، وأصحابه في وقت وفاة الحسن بن علي ما تعجبت منه وما ظننت أنه يكون، وذلك أنه لما اعتل بعث إلى أبي ان ابن الرضا قد اعتل فركب من ساعته إلى دار الخلافة، ثم رجع مستعجلا ومعه خمسة من خدم أمير المؤمنين كلهم من ثقاته وخاصته فيهم نحرير وأمرهم بلزوم دار الحسن وتعرف خبره وحاله وبعث إلى قاضي القضاة فأحضره بمجلسه وأمره ان يختار عشرة ممن يوثق به في دينه وورعه وأمانته فأحضرهم فبعث بهم إلى دار الحسن، وأمرهم بلزومه ليلا ونهارا فلم يزالوا هناك حتى توفى الحسن " عليه السلام " فلما ذاع خبر وفاته صارت سر من رأى ضجة واحدة وعطلت الأسواق وركب بنو هاشم والقواد وسائر الناس إلى جنازته وكانت سر من رأى يومئذ شبيها بالقيامة فلما فرغوا من تهنيته بعث السلطان إلى أبي عيسى بن المتوكل فأمره بالصلاة عليه فلما وضعت الجنازة للصلاة عليه دنا أبو عيسى منه فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم
(٢٥٠)