ولا يتشاغل بغير العبادة فإذا نظرنا إليه أرعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا فلما سمع العباسيون انصرفوا خائبين.
(وروى) أصحابنا انه سلم أبو محمد إلى يحيي، وكان يضيق عليه ويؤذيه فقالت له امرأته: اتق الله فإنك لا تدرى من في منزلك؟ وذكرت له صلاحه وعبادته وقالت انى أخاف عليك منه. فقال: والله لأرمينه بين السباع ثم استأذن في ذلك فاذن له فرمى به إليها ولم يشك في اكلها فنظروا إلى الموضع ليعرفوا الحال فوجده عليه السلام قائما يصلى وهي حوله فأمر باخراجه إلى داره.
قال الحسن بن محمد الأشعري ومحمد بن يحيى وغيرهما كان أحمد بن عبيد الله بن خاقان على الضياع والخراج بقم فجرى في مجلسه يوما ذكر العلوية ومذاهبهم وكان شديد النصب والانحراف عن أهل البيت عليهم السلام، فقال ما رأيت ولا عرفت بسر من رأى رجلا من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكبرته عند أهل بيته وبنى هاشم كافة وتقديمهم إياه على ذوي السن منهم والخطر وكذلك كانت حاله عند القواد والوزراء والعامة واذكر انى كنت يوما قائما على رأس أبى وهو يوم مجلسه للناس إذ دخل حجابه فقالوا: أبو محمد الرضا بالباب فقال بصوت عال: ائذنوا له فتعجبت مما سمعته منهم، ومن جسارتهم ان يكنوا رجلا بحضرة أبى ولم يكن عنده إلا خليفة أو ولى عهد أو من أمر السلطان ان يكنى فدخل رجل أسمر حسن القامة جميل الوجه جيد البدن حدث السن له جلالة وهيبة حسنة، فلما نظر إليه أبى قام فمشى إليه خطا ولا أعلم فعل هذا بأحد من بني هاشم والقواد، فلما دنا منه عانقه وقبل وجهه وصدره وأخذ بيده وأجلسه على مصلاه الذي كان عليه، وجلس على جنبه مقبلا عليه بوجهه وجعل يكلمه ويفديه بنفسه وانا متعجب مما أرى منه إذ دخل الحاجب فقال الموفق قد جاء وكان الموفق إذا دخل على أبي تقدمه حجابه وخاصة قواده فقاموا بين مجلس أبى وبين الدار سماطين إلى أن يدخل ويخرج فلم يزل أبى مقبلا على أبي محمد يحدثه حتى نظر إلى غلمان الخاصة، فقال حينئذ له: إذا شئت جعلني الله فداك ثم قال لحجابه خذوا به خلف السماطين لا يراه هذا يعنى الموفق، فقام وقام أبى وعانقه ومضى فقلت لحجاب أبى وغلمانه: ويلكم من هذا الذي كنيتموه بحضرة أبى وفعل به هذا الفعل؟
فقالوا: هذا علوي يقال له: الحسن بن علي يعرف بابن الرضا فازداد تعجبي ولم أزل