العبد، وإن كان ليشترى القميصين السنبلانيين فيخير غلامه خيرهما ثم يلبس الآخر فإذا جاز أصابعه قطعه، وإذا جاز كعبه حذفه ولقد ولى خمس سنين على ما وضع آجرة على آجرة ولا لبنة على لبنة ولا اقطع قطيعا، ولا أورث بيضا ولا حمرا، وإن كان ليطعم الناس خبز البر واللحم وينصرف إلى منزله، ويأكل خبز الشعير والزيت والخل، وما ورد عليه أمران كلاهما لله رضى، إلا اخذ بأشدهما على بدنه ولقد أعتق الف مملوك من كد يده تربت فيه يداه وعرق فيه وجهه، وما أطاق عمله من الناس أحد، وإن كان ليصلى في اليوم والليل الف ركعة، وإن كان أقرب الناس شبها به علي بن الحسين " عليه السلام " وما أطاق عمله بعده أحد من الناس.
وسمع رجل من التابعين أنس بن مالك يقول: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب " عليه السلام ": (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه) قال الرجل: فأتيت عليا " عليه السلام " لأنظر إلى عبادته، فأشهد الله لقد أتيته وقت المغرب فوجدته يصلى بأصحابه المغرب، فلما فرغ منها جلس في التعقيب إلى أن قام إلى عشاء الآخرة، ثم دخل منزله فدخلت معه فوجدته طول الليل يصلى يقرأ القرآن إلى أن طلع الفجر، ثم جدد وضوءه وخرج إلى المسجد وصلى بالناس صلاة الفجر، ثم جلس في التعقيب إلى أن طلع الشمس، ثم قصده الناس فجعل يختصم إليه الرجل والرجلان وإذا فرغا قاما وجاء آخران إلى أن قام إلى صلاة الظهر، قال: فجدد لصلاة الظهر وضوءا ثم صلى بأصحابه الظهر، ثم قعد في التعقيب إلى أن صلى بهم العصر، ثم أتاه الناس فجعل يقوم رجلان، ويقعد آخران يقضى بينهم، ويفتيهم إلى أن غابت الشمس فخرجت وأنا أقول: أشهد بالله ان هذه الآية نزلت فيه.
وقال الأصبغ بن نباتة: كان أمير المؤمنين " عليه السلام " إذا أتى بالمال ادخله بيت مال المسلمين، ثم جمع المستحقين ثم ضرب يده في المال فنثره يمنة ويسرة. وهو يقول:
يا صفراء يا بيضاء لا تغريني غري غيري.
هذا جناي وخياره فيه * إذ كل جان يده إلى فيه ثم لا يخرج حتى يفرق ما في بيت مال المسلمين ويؤتى كل ذي حق حقه ثم يأمر أن يكنس ويرش ثم يصلى فيه ركعتين. ثم يطلق الدنيا ثلاثا يقول بعد التسليم: يا دنيا لا تتعرضي لي ولا تتشوقي ولا تغريني فقد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي إليك.