لما هو مكونه في السماوات والأرض وعلمه لما أراد من ذلك كله كشط من أطباق السماوات، ثم قال للملائكة انظروا إلى أهل الأرض من خلقي من الجن والنسناس فلما رأوا ما يعملون فيها من المعاصي وسفك الدماء والفساد في الأرض بغير الحق عظم ذلك عليهم وغضبوا لله وأسفوا على الأرض ولم يملكوا غضبهم ان قالوا: يا رب أنت العزيز القادر الجبار القاهر العظيم الشأن وهذا خلقك الضعيف الذليل في أرضك يتقلبون في قبضتك ويعيشون برزقك ويستمتعون بعافيتك وهم يعصونك بمثل هذه الذنوب العظام، لا تأسف ولا تغضب ولا تنتقم لنفسك لما تسمع منهم وترى، وقد عظم ذلك علينا وأكبرناه فيك. فلما سمع الله عز وجل ذلك من الملائكة قال: إني جاعل في الأرض خليفة لي عليهم، فيكون حجة لي عليهم في أرضي على خلقي، فقالت الملائكة: سبحانك، أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك، وقالوا: فاجعله منا فإنا لا نفسد في الأرض ولا نسفك الدماء، قال جل جلاله يا ملائكتي إني أعلم مالا تعلمون إني أريد أن أخلق خلقا بيدي أجعل ذريته أنبياء مرسلين وعبادا صالحين وأئمة مهتدين أجعلهم خلفائي على خلقي في أرضي ينهونهم عن المعاصي وينذرونهم عذابي ويهدونهم إلى طاعتي ويسلكون بهم طريق سبيلي، وأجعلهم حجة لي عذرا أو نذرا وأبين النسناس من أرضي فأطهرها منهم وأنقل مردة الجن العصاة عن بريتي وخلقي وخيرتي واسكنهم في الهواء وفي أقطار الأرض لا يجاورون نسل خلقي وأجعل بين الجن وبين خلقي حجابا ولا يرى نسل خلقي الجن ولا يؤانسونهم ولا يخالطونهم ولا يجالسونهم فمن عصاني من نسل خلقي الذين اصطفيتهم لنفسي أسكنتهم مساكن العصاة وأوردتهم مواردهم ولا أبالي، فقالت الملائكة: يا ربنا إفعل ما شئت لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، فقال الله جل جلاله للملائكة: إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين، وكان ذلك من أمر الله عز وجل تقدم إلى الملائكة في
(١٠٥)