ولا يجب عليه مكانه آخر لأنه لم يكن واجبا عليه ويتصدق بجلالها وخطامها لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي رضي الله عنه تصدق بجلالها وخطامها ولا تعط الجزار منها شيئا ولا يجوز له أن يأكل من دم النذر شيئا وجملة الكلام فيه ان الدماء نوعان نوع يجوز لصاحب الدم ان يأكل منه وهو دم المتعة والقران والأضحية وهدى التطوع إذا بلغ محله ونوع لا يجوز له أن يأكل منه وهو دم النذر والكفارات وهدى الاحصار وهدى التطوع إذا لم يبلغ محله لان الدم في النوع الأول دم شكر فكان نسكا فكان له أن يأكل منه ودم النذر دم صدقة وكذا دم الكفارة في معناه لأنه وجب تكفير الذنب وكذا دم الاحصار لوجود التحلل والخروج من الاحرام قبل أوانه وهدى التطوع إذا لم يبلغ محله بمعنى القربة في التصدق به فكان دم صدقة وكل دم يجوز له ان يأكل منه لا يجب عليه التصدق بلحمه بعد الذبح لأنه لو وجب عليه التصدق به لما جاز أكله لما فيه من ابطال حق الفقراء وكل ما لا يجوز له ان يأكل منه يجب عليه التصدق به بعد الذبح لأنه إذا لم يجز له أكله ولا يتصدق به يؤدى إلى إضاعة المال وكذا لو هلك المذبوح بعد الذبح لا ضمان عليه في النوعين لأنه لا صنع له في الهلاك وان استهلكه بعد الذبح فإن كان مما يجب عليه التصدق به يضمن قيمته فيتصدق بها لأنه تعلق به حق الفقراء فبالاستهلاك تعدى على حقهم فيضمن قيمته ويتصدق بها لأنها بدل أصل مال واجب التصدق به وإن كان مما لا يجب التصدق به لا يضمن شيئا لأنه لم يوجد منه التعدي باتلاف حق الفقراء لعدم تعلق حقهم به ولو باع اللحم يجوز بيعه في النوعين جميعا لان ملكه قائم الا أن فيما لا يجوز له أكله ويجب عليه التصدق به يتصدق بثمنه لان ثمنه مبيع واجب التصدق به لتعلق حق الفقراء به فيتمكن في ثمنه حنث فكان سبيله التصدق به والله تعالى أعلم * (فصل) * وأما العمرة فالكلام فيها يقع في مواضع في بيان صفتها أنها واجبة أم لا وفي بيان شرائط وجوبها إن كانت واجبة وفي بيان ركنها وفي بيان شرائط الركن وفي بيان واجباتها وفي بيان سننها وفي بيان ما يفسدها وفي بيان حكمها إذا فسدت (أما) الأول فقد اختلف فيها قال أصحابنا انها واجبة كصدقة الفطر والأضحية والوتر ومنهم من أطلق اسم السنة وهذا الاطلاق لا ينافي الواجب وقال الشافعي انها فريضة وقال بعضهم هي تطوع واحتج هؤلاء بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الحج مكتوب والعمرة تطوع وهذا نص وعن جابر رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله العمرة أهي واجبة قال لا وان تعتمر خير لك واحتج الشافعي بقوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله والامر للفرضية وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال العمرة هي الحجة الصغرى وقد ثبت فرضية الحج بنص الكتاب العزيز ولنا على الشافعي قوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ولم يذكر العمرة لان مطلق اسم الحج لا يقع على العمرة فمن قال إنها فريضة فقد زاد على النص فلا يجوز الا بدليل وكذا حديث الاعرابي الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله عن الايمان والشرائع فبين له الايمان وبين له الشرائع ولم يذكر فيها العمرة فقال الاعرابي هل على شئ غير هذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا الا أن تطوع فظاهره يقتضى انتفاء فريضة العمرة وأما الآية الكريمة فلا دلالة فيها على فرضية العمرة لأنها قرئت برفع العمرة والعمرة لله وانه كلام تام بنفسه غير معطوف على الامر بالحج أخبر الله تعالى ان العمرة لله ردا لزعم الكفرة لأنهم كانوا يجعلون العمرة للأصنام على ما كانت عبادتهم من الاشراك وأما على قراءة العامة فلا حجة له فيها أيضا لان فيها أمرا باتمام العمرة واتمام الشئ يكون بعد الشروع فيه وبه نقول إنها بالشروع تصير فريضة مع ما أنه روى عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما أنهما قالا في تأويل الآية اتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك على أن هذا إن كان أمرا بانشاء العمرة فما الدليل على أن مطلق الامر يفيد الفرضية بل الفرضية عندنا ثبتت بدليل زائد وراء نفس الامر وإنما يحمل على الوجوب احتياطا وبه نقول إن العمرة واجبة ولكنها ليست بفريضة وتسميتها حجة صغرى في الحديث يحتمل أن يكون في حكم الثواب لأنها ليس بحجة حقيقة
(٢٢٦)