حرام وأما قوله إن الوجوب في الوقت ثبت مطلقا عن الفور فمسلم لكن المطلق يحتمل الفور ويحتمل التراخي والحمل على الفور أولى لما بينا ويجوز تقييد المطلق عند قيام الدليل وأما تأخير رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج عن أول أوقات الامكان فقد قيل إنه كان لعذر له ولا كلام في حال لعذر يدل على أنه لا خلاف في أن التعجيل أفضل والرسول صلى الله عليه وسلم لا يترك الأفضل الا لعذر على أن المانع من التأخير هو احتمال الفوات ولم يكن في تأخيره ذلك فوات لعلمه من طريق الوحي أنه يحج قبل موته قال الله تعالى لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين والثنيا للتيمن والتبرك أو لما أن الله تعالى خاطب الجماعة وقد علم أن بعضهم يموت قبل الدخول وأما قوله لو أدى في السنة الثانية كان مؤديا لا قاضيا فإنما كان كذلك لان أثر الوجوب على الفور عملا في احتمال الاثم بالتأخير عن أول الوقت في الامكان لا في اخراج السنة الثانية والثالثة من أن يكون وقتا للواجب كما في باب الصلاة وهذا لان وجوب التعجيل إنما كان تحرزا عن الفوات فإذا عاش إلى السنة الثانية والثالثة فقد زال احتمال الفوات فحصل الأداء في وقته كما في باب الصلاة والله أعلم * (فصل) * وأما شرائط فرضيته فنوعان نوع يعم الرجال والنساء ونوع يخص النساء أما الذي يعم الرجال والنساء فمنها البلوغ ومنها العقل فلا حج على الصبي والمجنون لأنه لا خطاب عليهما فلا يلزمهما الحج حتى لو حجا ثم بلغ الصبي وأفاق المجنون فعليهما حجة الاسلام وما فعله الصبي قبل البلوغ يكون تطوعا وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أيما صبي حج عشر حجج ثم بلغ فعليه حجة الاسلام ومنها الاسلام في حق أحكام الدنيا بالاجماع حتى لو حج الكافر ثم أسلم يجب عليه حجة الاسلام ولا يعتد بما حج في حال الكفر وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أيما اعرابي حج ولو عشر حجج فعليه حجة الاسلام إذا هاجر يعنى أنه إذا حج قبل الاسلام ثم أسلم ولان الحج عبادة والكافر ليس من أهل العبادة وكذا لا حج على الكافر في حق أحكام الآخرة عندنا حتى لا يؤاخذ بالترك وعند الشافعي ليس بشرط ويجب على الكافر حتى يؤاخذ بتركه في الآخرة وأصل المسألة أن الكفار لا يخاطبون بشرائع هي عبادات عندنا وعنده يخاطبون بذلك وهذا يعرف في أصول الفقه ولا حجة له في قوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا لان المراد منه المؤمنون بدليل سياق الآية وهو قوله ومن كفر فان الله غنى عن العالمين وبدليل عقلي يشمل الحج وغيره من العبادات وهو أن الحج عبادة والكافر ليس من أهل أداء العبادة ولا سبيل إلى الايجاب لقدرته على الأداء بتقديم الاسلام لما فيه من جعل المتبوع تبعا والتبع متبوعا وانه قلب الحقيقة على ما بينا في كتاب الزكاة وتخصيص العام بدليل عقلي جائز ومنها الحرية فلا حج على المملوك لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أيما عبد حج عشر حجج فعليه حجة الاسلام إذا أعتق ولان الله تعالى شرط الاستطاعة لوجوب الحج بقوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ولا استطاعة بدون ملك الزاد والراحلة لما نذكر إن شاء الله تعالى ولا ملك للعبد لأنه مملوك فلا يكون مالكا بالاذن فلم يوجد شرط الوجوب وسواء أذن له المولى بالحج أو لا لأنه لا يصير مالكا الا بالاذن فلم يجب الحج عليه فيكون ما حج في حال الرق تطوعا ولان ما روينا من الحديث لا يفصل بين الاذن وعدم الإذن فلا يقع حجه عن حجة الاسلام بحال بخلاف الفقير لأنه لا يجب الحج عليه في الابتداء ثم إذا حج بالسؤال من الناس يجوز ذلك عن حجة الاسلام حتى لو أيسر لا يلزمه حجة أخرى لان الاستطاعة بملك الزاد والراحلة ومنافع البدن شرط الوجوب لان الحج يقام بالمال والبدن جميعا والعبد لا يملك شيئا من ذلك فلم يجب عليه ابتداء وانتهاء والفقير يملك منافع نفسه إذ لا ملك لاحد فيها الا أنه ليس له ملك الزاد والراحلة وانه شرط ابتداء الوجوب فامتنع الوجوب في الابتداء فإذا بلغ مكة وهو يملك منافع بدنه فقد قدر على الحج بالمشي وقليل زاد فوجب عليه الحج فإذا أدى وقع عن حجة الاسلام فأما العبد فمنافع بدنه ملك مولاه ابتداء وانتهاء ما دام عبدا فلا يكون قادرا على الحج ابتداء وانتهاء فلم يجب عليه ولهذا قلنا إن الفقير إذا حضر القتال يضرب له بسهم كامل كسائر من فرض عليه القتال وإن كان لا يجب
(١٢٠)