بنفسه من الركوب والنزول وغير ذلك وكذا الزمن والمقعد فلم يكونا قادرين على الأداء بأنفسهم بل بقدرة غير مختار والقادر بقدرة غير مختار لا يكون قادرا على الاطلاق لان فعل المختار يتعلق باختياره فلم تثبت الاستطاعة على الاطلاق ولهذا لم يجب الحج على الشيخ الكبير الذي لا يستمسك على الراحلة وإن كان ثمة غيره يمسكه لما قلنا كذا هذا وإنما فسر النبي صلى الله عليه وسلم الاستطاعة بالزاد والراحلة لكونهما من الأسباب الموصلة إلى الحج لا لاقتصار الاستطاعة عليهما ألا ترى انه إذا كان بينه وبين مكة بحر زاخر لا سفينة ثمة أو عدو حائل يحول بينه وبين الوصول إلى البيت لا يجب عليه الحج مع وجود الزاد والراحة فثبت أن تخصيص الزاد والراحلة ليس لاقتصار الشرط عليهما بل للتنبيه على أسباب الامكان فكلما كان من أسباب الامكان يدخل تحت تفسير الاستطاعة معنى ولان في ايجاب الحج على الأعمى والزمن والمقعد والمفلوج والمريض والشيخ الكبير الذي لا يثبت على الراحلة بأنفسهم حرجا بينا ومشقة شديدة وقد قال الله عز وجل ما جعل عليكم في الدين من حرج ومنها ملك الزاد والراحلة في حق النائي عن مكة والكلام فيه في موضعين أحدهما في بيان انه من شرائط الوجوب والثاني في تفسير الزاد والراحلة اما الأول فقد قال عامة العلماء انه شرط فلا يجب الحج بإباحة الزاد والراحلة سواء كانت الإباحة ممن له منة على المباح له أو كانت ممن لا منة له عليه كالأب وقال الشافعي يجب الحج بإباحة الزاد والراحلة إذا كانت الإباحة ممن لا منة له على المباح له كالوالد بذل الزاد والراحلة لابنه وله في الأجنبي قولان ولو وهبه انسان مالا يحج به لا يجب على الموهوب له القبول عندنا وللشافعي فيه قولان وقال مالك الراحلة ليست بشرط لوجوب الحج أصلا لا ملكا ولا إباحة وملك الزاد شرط حتى لو كان صحيح البدن وهو يقدر على المشي يجب عليه الحج وان لم يكن له راحلة أما الكلام مع مالك فهو احتج بظاهر قوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كان صحيح البدن قادرا على المشي وله زاد فقد استطاع إليه سبيلا فليزمه فرض الحج (ولنا) ان رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر الاستطاعة بالزاد والراحلة جميعا فلا تثبت الاستطاعة بأحدهما وبه تبين ان القدرة على المشي لا تكفى لاستطاعة الحج ثم شرط الراحلة إنما يراعى لوجوب الحج في حق من نأى عن مكة فاما أهل مكة ومن حولهم فان الحج يجب على القوى منهم القادر على المشي من غير راحلة لأنه لا حرج يلحقه في المشي إلى الحج كما لا يلحقه الحرج في المشي إلى الجمعة وأما الكلام مع الشافعي فوجه قوله إن الاستطاعة المذكورة هي القدرة من حيث سلامة الأسباب والآلات والقدرة تثبت بالإباحة فلا معنى لاشتراط الملك إذ الملك لا يشترط لعينه بل للقدرة على استعمال الزاد والراحلة أكلا وركوبا وإذا ثبتت بالإباحة ولهذا استوى الملك والإباحة في باب الطهارة في المنع من جواز التيمم كذا ههنا (ولنا) ان استطاعة الأسباب والآلات لا تثبت بالإباحة لان الإباحة لا تكون لازمة الا ترى ان للمبيح أن يمنع المباح له عن التصرف في المباح ومع قيام ولاية المنع لا تثبت القدرة المطلقة فلا يكون مستطيعا على الاطلاق فلم يوجد شرط الوجوب فلا يجب بخلاف مسألة الطهارة لان شرط جواز التيمم عدم الماء بقوله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا والعدم لا يثبت مع البذل والإباحة وأما تفسير الزاد والراحلة فهو أن يملك من المال مقدار ما يبلغه إلى مكة ذاهبا وجائيا راكبا لا ماشيا بنفقة وسط لا اسراف فيها ولا تقتير فاضلا عن مسكنه وخادمه وفرسه وسلاحه وثيابه وأثاثه ونفقة عياله وخدمه وكسوتهم وقضاء ديونه وروى عن أبي يوسف أنه قال ونفقة شهر بعد انصرافه أيضا وروى الحسن عن أبي حنيفة انه فسر الراحلة فقال إذا كان عنده ما يفضل عما ذكرنا ما يكترى به شق محمل أو زاملة أو رأس راحلة وينفق ذاهبا وجائيا فعليه الحج وان لم يكفه ذلك الا أن يمشى أو يكترى عقبة فليس عليه الحج ماشيا ولا راكبا عقبة وإنما اعتبرنا الفضل على ما ذكرنا من الحوائج لأنها من الحوائج اللازمة التي لابد منها فكان المستحق بها ملحقا بالعدم وما ذكره بعض أصحابنا في تقدير نفقة العيال سنة والبعض شهرا فليس بتقدير لازم بل هو على حسب اختلاف المسافة في القرب والبعد لان قدر النفقة يختلف باختلاف المسافة فيعتبر في ذلك قدر ما يذهب ويعود إلى منزله وإنما لا يجب
(١٢٢)