في طاعة المنعم وشكر النعمة واجب عقلا وشرعا والله أعلم * (فصل) * وأما كيفية فرضه فمنها انه فرض عين لا فرض كفاية فيجب على كل من استجمع شرائط الوجوب عينا لا يسقط بإقامة البعض عن الباقين بخلاف الجهاد فإنه فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين لان الايجاب تناول كل واحد من آحاد الناس عينا والأصل أن الانسان لا يخرج عن عهدة ما عليه الا بأدائه بنفسه الا إذا حصل المقصود منه بأداء غيره كالجهاد ونحوه وذلك لا يتحقق في الحج ومنها أنه لا يجب في العمر الا مرة واحدة بخلاف الصلاة والصوم والزكاة فان الصلاة تجب في كل يوم وليلة خمس مرات والزكاة والصوم يجبان في كل سنة مرة واحدة لان الامر المطلق بالفعل لا يقتضى التكرار لما عرف في أصول الفقه والتكرار في باب الصلاة والزكاة والصوم ثبت بدليل زائد لا بمطلق الامر ولما روى أنه لما نزلت آية الحج سأل الأقرع بن حابس رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله الحج في كل عام أو مرة واحدة فقال عليه الصلاة والسلام مرة واحدة وفى رواية قال لما نزلت آية الحج ألعامنا هذا يا رسول الله أم للأبد فقال للأبد ولأنه عبادة لا تتأدى الا بكلفة عظيمة ومشقة شديدة بخلاف سائر العبادات فلو وجب في كل عام لأدى إلى الحرج وأنه منفى شرعا ولأنه إذا لم يمكن أداؤه الا بحرج لا يؤدى فيلحق المأثم والعقاب إلى هذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله الأقرع ابن حابس وقال ألعامنا هذا أم للأبد فقال عليه الصلاة والسلام للأبد ولو قلت في كل عام لوجب ولو وجب ثم تركتم لضللتهم واختلف في وجوبه على الفور والترخى ذكر الكرخي أنه على الفور حتى يأثم بالتأخير عن أول أوقات الامكان وهي السنة الأولى عند استجماع شرائط الوجوب وذكر أبو سهل الزجاجي الخلاف في المسألة بين أبى يوسف ومحمد فقال في قول أبى يوسف يجب على الفور وفى قول محمد على التراخي وهو قول الشافعي وروى عن أبي حنيفة مثل قول أبى يوسف وروى عنه مثل قول محمد وجه قول محمد أن الله تعالى فرض الحج في وقت مطلقا لان قوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا مطلقا عن الوقت ثم بين وقت الحج بقوله عز وجل الحج أشهر معلومات أي وقت الحج أشهر معلومات فصار المفروض هو الحج في أشهر الحج مطلقا من العمر فتقييده بالفور تقييد المطلق ولا يجوز الا بدليل وروى أن فتح مكة كان لسنة ثمان من الهجرة وحج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة العشر ولو كان وجوبه على الفور لما احتمل التأخير منه والدليل عليه أنه لو أدى في السنة الثانية أو الثالثة يكون مؤديا لا قاضيا ولو كان واجبا على الفور وقد فات الفور فقد فات وقته فينبغي أن يكون قاضيا لا مؤديا كما لو فاتت صلاة الظهر عن وقتها وصوم رمضان عن وقته ولهما أن الامر بالحج في وقته مطلق يحتمل الفور ويحتمل التراخي والحمل على الفور أحوط لأنه إذا حمل عليه يأتي بالفعل على الفور ظاهرا وغالبا خوفا من الاثم بالتأخير فان أريد به الفور فقد أتى بما أمر به فأمن الضرر وان أريد به التراخي لا يضره الفعل على الفور بل ينفعه لمسارعته إلى الخير ولو حمل على التراخي ربما لا يأتي به على الفور بل يؤخر إلى السنة الثانية والثالثة فتلحقه المضرة ان أريد به الفور وإن كان لا يلحقه ان أريد به التراخي فكان الحمل على الفور حملا على أحوط الوجهين فكان أولى وهذا قول امام الهدى الشيخ أبى منصور الماتريدي في كل أمر مطلق عن الوقت أنه يحمل على الفور لكن عملا لا اعتقادا على طريق التعيين أن المراد منه الفور أو التراخي بل يعتقد أن ما أراد الله تعالى به من الفور والتراخي فهو حق وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله الحرام فلم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا الحق الوعيد بمن أخر الحج عن أول أوقات الامكان لأنه قال من ملك كذا فلم يحج والفاء للتعقيب بلا فصل أي لم يحج عقيب ملك الزاد والراحلة بلا فصل وأما طريق عامة المشايخ فان للحج وقتا معينا من السنة يفوت عن تلك السنة بفوات ذلك الوقت فلو أخره عن السنة الأولى وقد يعيش إلى السنة الثانية وقد لا يعيش فكان التأخير عن السنة الأولى تفويتا له للحال لأنه لا يمكنه الأداء للحال إلى أن يجئ وقت الحج من السنة الثانية وفى ادراكه السنة الثانية شك فلا يرتفع الفوات الثابت للحال بالشك والتفويت
(١١٩)