سلم بعض المبيع قبل استيفاء الثمن كان له حق حبس الباقي ليستوفى الثمن كذا هذا وكان أبو القاسم الصفار يفتى في منعها نفسها بقول أبى يوسف ومحمد وفى السفر بقول أبي حنيفة وبعد ايفاء المهر كان له أن ينقلها حيث شاء وحكى الفقيه أبو جعفر الهندواني عن محمد بن سلمة أنه كان يفتى أن بعد تسليم المهر ليس لزوجها أن يسافر بها قال أبو يوسف ولو وجدت المرأة المهر زيوفا أو ستوقا فردت أو كان المقبوض عرضا اشترته من الزوج بالمهر فاستحق بعد القبض وقد كان دخل بها فليس لها أن تمنع نفسها في جميع ذلك وهذا على أصلهما مستقيم لان من أصلهما أن التسليم من غير قبض المهر يبطل حق المنع وهذا تسليم من غير قبض لان ذلك القبض بالرد والاستحقاق انتقض والتحق بالعدم فصار كأنها لم تقبضه وقبل القبض الجواب هكذا عندهما وأما عند أبي حنيفة فينبغي أن يكون لها أن تمنع نفسها ثم فرق أبو يوسف بين هذا وبين المنع أنه إذا استحق الثمن من يد البائع أو وجده زيوفا أو ستوقا فرده له أن يسترد المبيع فيحبسه لان البائع بعد لاسترداد يمكنه الحبس على الوجه الذي كان قبل ذلك وأما ههنا لا يمكنه لأنه استوفى بعض منافع البضع فلا يكون هذا الحبس مثل الأول فلا يعود حقها في الحبس ومما يلتحق بهذا الفصل أن للمرأة أن تهب مهرها للزوج دخل بها أو لم يدخل لقوله عز وجل فان طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا وليس لأحد من أوليائها الاعتراض عليها سواء كان أبا أو غيره لأنها وهبت خالص ملكها وليس لأحد في عين المهر حق فيجوز ويلزم بخلاف ما إذا زوجت نفسها وقصرت عن مهر مثلها أن للأولياء حق الاعتراض في قول أبي حنيفة لان الامهار حق الأولياء فقد تصرفت في خالص حقهم ولأنها ألحقت الضرر بالأولياء بالحاق العار والشنار بهم فلهم دفع هذا الضرر بالاعتراض والفسخ وليس للأب ان يهب مهر ابنته عند عامة العلماء وقال بعضهم له ذلك وتمسكوا بقوله تعالى أو يعفوالذي بيده عقدة النكاح والأب بيده عقدة النكاح ولنا أن المهر ملك المرأة وحقها لأنه بدل بضعها وبضعها حقها وملكها والدليل عليه قوله عز وجل وآتوا النساء صدقاتهن نحلة أضاف المهر إليها فدل أن المهر حقها وملكها وقوله عز وجل فان طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا وقوله تعالى منه أي من الصداق لأنه هو المكنى السابق أباح للأزواج التناول من مهور النساء إذا طابت أنفسهن بذلك ولذا علق سبحانه وتعالى الإباحة بطيب أنفسهن فدل ذلك كله على أن مهرها ملكها وحقها وليس لأحد أن يهب ملك الانسان بغير اذنه ولهذا لا يملك الولي هبة غيره من أموالها فكذا المهر وأما الآية الشريفة فقد قيل أن المراد من الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج كذا روى عن علي رضي الله عنه وهو احدى الروايتين عن ابن عباس رضي الله عنهما ويجوز أن يحمل قول من صرف التأويل إلى الولي على بيان نزول الآية على ما قيل أن حين النزول كان المهور للأولياء ودليله قول شعيب لموسى عليهما الصلاة والسلام انى أريد أن أنكحك احدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج شرط المهر لنفسه لا لابنته ثم نسخ بما تلونا من الآيات وللمولى أن يهب صداق أمته ومدبرته وأم ولده من زوجها لان المهر ملكه وليس له أن يهب مهر مكاتبته ولو وهب لا يبرأ الزوج ولا يدفعه إلى المولى لان مهر المكاتبة لها لا للمولى لأنه من اكسابها وكسب المكاتب له لا لمولاه وتجوز الزيادة في المهر إذا تراضيا بها والحط عنه إذا رضيت به لقوله تعالى ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة رفع الجناح فيما تراضيا به الزوجان بعد الفريضة وهو التسمية وذلك هو الزيادة في المهر والحط عنه وأحق ما تصرف إليه الآية الزيادة لأنه ذكر لفظة التراضي وأنه يكون بين اثنين ورضا المرأة كان في الحط ولان الزيادة تلحق العقد ويصير كأن العقد ورد على الأصل والزيادة جميعا كالخيار في باب البيع والأجل فيه فان من اشترى من آخر عبدا بيعا باتا ثم إن أحدهما جعل لصاحبه الخيار يوما جاز ذلك حتى لو نقض البيع جاز نقضه ويصير ذلك كالخيار المشروط في أصل البيع وكذا إذا اشترى عبدا بألف درهم حالة ثم إن البائع أجل المشترى في الثمن شهرا جاز التأجيل ويصير كأنه كان مسمى في العقد كذا ههنا ولا يثبت خيار الرؤية في المهر حتى لو تزوج امرأة على عبد بعينه أو جارية بعينها ولم تره ثم رأته ليس لها أن ترده بخيار الرؤية لان النكاح لا ينفسخ برده فلو ردت لرجعت عليه بعبد آخر وثبت لها فيه خيار الرؤية فترده ثم ترجع عليه بآخر
(٢٩٠)