استدلالا بمهر المثل وكل جهالة تزيد على جهالة مهر المثل يبقى الامر فيها على الأصل فيمنع صحة التسمية كما في سائر الاعواض إذا ثبت هذا فنقول لا شك ان جهالة الحيوان والدابة والثواب والدار أكثر من جهالة مهر المثل لان بعد اعتبار تساوى المرأتين في المال والجمال والسن والعقل والدين والبلد والعفة يقل التفاوت بينهما فتقل الجهالة فاما جهالة الجنس والنوع فجهالة متفاحشة فكانت أكثر جهالة من مهر المثل فتمنع صحة التسمية وإن كان المسمى معلوم الجنس والنوع مجهول الصفة والقدر كما إذا تزوجها على عبد أو أمة أو فرس أو جمل أو حمار أو ثوب مروى أو هروى صحت التسمية ولها الوسط من ذلك وللزوج الخيار ان شاء أعطاها الوسط وان شاء أعطاها قيمته وهذا عندنا وقال الشافعي لا تصح التسمية (وجه) قوله إن المسمى مجهول الوصف فلا تصح تسميته كما في البيع وهذا لان جهالة الوصف تفضى إلى المنازعة كجهالة الجنس ثم جهالة الجنس تمنع صحة التسمية فكذا جهالة الوصف (ولنا) أن النكاح معاوضة المال بما ليس بمال والحيوان الذي هو معلوم الجنس والنوع مجهول الصفة يجوز ان يثبت دينا في الذمة بدلا عما ليس بمال كما في الذمة قال النبي صلى الله عليه وسلم في النفس المؤمنة مائة من الإبل والبضع ليس بمال فجاز أن يثبت الحيوان دينا في الذمة بدلا عنه ولان جهالة الوسط من هذه الأصناف مثل جهالة مهر المثل أو أقل فتلك الجهالة لما لم تمنع صحة تسمية البدل فكذا هذه الا أنه لا تصح تسميته ثمنا في البيع لان البيع لا يحتمل جهالة البدل أصلا قلت أو كثرت والنكاح يحتمل الجهالة اليسيرة مثل جهالة مهر المثل وإنما كان كذلك لان مبنى البيع على المضايقة والمماكسة فالجهالة فيه وان قلت تفضى إلى المنازعة ومبنى النكاح على المسامحة والمروءة فجهالة مهر المثل فيه لا تفضى إلى المنازعة فهو الفرق وأما وجوب الوسط فلان الوسط هو العدل لما فيه من مراعاة الجانبين لان الزوج يتضرر بايجاب الجيد والمرأة تتضرر بايجاب الردئ فكان العدل في ايجاب الوسط وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم خير الأمور أوساطها والأصل في اعتبار الوسط في هذا الباب ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أيما امرأة أنكحت نفسها بغير اذن مواليها فنكاحها باطل فان دخل بها فلها مهر مثل نسائها لا وكس ولا شطط وكذلك قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في المفوضة أرى لها مهر مثل نسائها لا وكس ولا شطط والمعنى ما ذكرنا وأما ثبوت الخيار بين الوسط وبين قيمته فلان الحيوان لا يثبت في الذمة ثبوتا مطلقا ألا ترى أنه لا يثبت دينا في الذمة في معاوضة المال بالمال ولا يثبت في الذمة في ضمان الاتلاف حتى لا يكون مضمونا بالمثل في الاستهلاك بل بالقيمة فمن حيث إنه يثبت في الذمة في الجملة قلنا بوجوب الوسط منه ومن حيث إنه لا يثبت ثبوتا مطلقا قلنا يثبت الخيار بين تسليمه وبين تسليم قيمته عملا بالشبهين جميعا ولان الوسط لا يعرف الا بواسطة القيمة فكانت القيمة أصلا في الاستحقاق فكانت أصلا في التسليم وأما ثبوت الخيار للزوج لا للمرأة فلانه المستحق عليه فكان الخيار له وكذلك ان تزوجها على بيت وخادم فلها بيت وسط مما يجهز به النساء وهو بيت الثوب لا المبنى فينصرف إلى فرش البيت في أهل الأمصار وفى أهل البادية إلى بيت الشعر ولها خادم وسط لأن المطلق من هذه الأصناف ينصرف إلى الوسط لان الوسط منها معلوم بالعادة وجهالته مثل جهالة مهر المثل أو أقل فلا تمنع صحة التسمية كما لو نص على الوسط ولو وصف شيئا من ذلك بأن قال جيد أو وسط أو ردئ فلها الموصوف ولو جاء بالقيمة تجبر على القبول لان القيمة هي الأصل ألا ترى أنه لا يعرف الجيد والوسط والردئ الا باعتبار القيمة فكانت القيمة هي المعرفة بهذه الصفات فكانت أصلا في الوجوب فكانت أصلا في التسليم فإذا جاء بها تجبر على قبولها ولو تزوجها على وصيف صحت التسمية ولها الوسط من ذلك ولو تزوجها على وصيف أبيض لا شك أنه تصح التسمية لأنها تصح بدون الوصف فإذا وصف أولى ولها الوصيف الجيد لان الأبيض عندهم اسم للجيد ثم الجيد عندهم هو الرومي والوسط السندي والردئ الهندي وأما عندنا فالجيد هو التركي والوسط
(٢٨٣)