فصار عقدها والحالة هذه بمنزلة عقده بنفسه (وجه) ما روى عن محمد من الفرق بين ما إذا كان لها ولى وبين ما إذا لم يكن لها ولى أن وقوف العقد على اذن الولي كان لحق الولي لا لحقها فإذا لم يكن لها ولى فلا حق للولي فكان الحق لها خاصة فإذا عقدت فقد تصرفت في خالص حقها فنفذ وأما إذا زوجت نفسها من كف ء وبلغ الولي فامتنع من الإجازة فرفعت أمرها إلى الحاكم فإنه يجيزه في قول أبى يوسف وقال محمد يستأنف العقد (وجه) قوله إن العقد كان موقوفا على إجازة الولي فإذا امتنع من الإجازة فقد رده فيرتد ويبطل من الأصل فلابد من الاستئناف (وجه) قول أبى يوسف انه بالامتناع صار عاضلا إذ لا يحل له الامتناع من الإجازة إذا زوجت نفسها من كف ء فإذا امتنع فقد عضلها فخرج من أن يكون وليا وانقلبت الولاية إلى الحاكم ولأبي حنيفة الكتاب العزيز والسنة والاستدلال أما الكتاب فقوله تعالى وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي ان أراد النبي أن يستنكحها فالآية الشريفة نص على انعقاد النكاح بعبارتها وانعقادها بلفظ الهبة فكانت حجة على المخالف في المسئلتين وقوله تعالى فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره والاستدلال به من وجهين أحدهما انه أضاف النكاح إليها فيقتضى تصور النكاح منها والثاني انه جعل نكاح المرأة غاية الحرمة فيقتضى انتهاء الحرمة عند نكاحها نفسها وعنده لا تنتهى وقوله عز وجل فلا جناح عليهما أن يتراجعا أي يتناكحا أضاف النكاح إليهما من غير ذكر الولي وقوله عز وجل وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن الآية والاستدلال به من وجهين أحدهما انه أضاف النكاح إليهن فيدل على جواز النكاح بعبارتهن من غير شرط الولي والثاني أنه نهى الأولياء عن المنع عن نكاحهن أنفسهن من أزواجهن إذا تراضى الزوجان والنهى يقتضى تصوير المنهى عنه وأما السنة فما روى عن ابن عباس رضي الله عنه ما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ليس للولي مع الثيب أمر وهذا قطع ولاية الولي عنها وروى عنه أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الأيم أحق بنفسها من وليها والأيم اسم لامرأة لا زوج لها وأما الاستدلال فهو انها لما بلغت عن عقل وحرية فقد صارت ولية نفسها في النكاح فلا تبقى موليا عليها كالصبي العاقل إذا بلغ والجامع أن ولاية الانكاح إنما ثبتت للأب على الصغيرة بطريق النيابة عنها شرعا لكون النكاح تصرفا نافعا متضمنا مصلحة الدين والدنيا وحاجتها إليه حالا ومآلا وكونها عاجزة عن احراز ذلك بنفسها وكون الأب قادرا عليه بالبلوغ عن عقل زال العجز حقيقة وقدرت على التصرف في نفسها حقيقة فتزول ولاية الغير عنها وتثبت الولاية لها لان النيابة الشرعية إنما تثبت بطريق الضرورة نظرا فتزول بزوال الضرورة مع أن الحرية منافية لثبوت الولاية للحر على الحر وثبوت الشئ مع المنافى لا يكون الا بطريق الضرورة ولهذا المعنى زالت الولاية عن إنكاح الصغير العاقل إذا بلغ وتثبت الولاية له وهذا المعنى موجود في الفرع ولهذا زالت ولاية الأب عن التصرف في مالها وتثبت الولاية لها كذا هذا وإذا صارت ولى نفسها في النكاح لا تبقى موليا عليها بالضرورة لما فيه من الاستحالة وأما الآية فالخطاب للأولياء بالانكاح ليس يدل على أن الولي شرط جواز الانكاح بل على وفاق العرف والعادة بين الناس فان النساء لا يتولين النكاح بأنفسهن عادة لما فيه من الحاجة إلى الخروج إلى محافل الرجال وفيه نسبتهن إلى الوقاحة بل الأولياء هم الذين يتولون ذلك عليهن برضاهن فخرج الخطاب بالامر بالانكاح مخرج العرف والعادة على الندب والاستحباب دون الحتم والايجاب والدليل عليه ما ذكر سبحانه وتعالى عقيبه وهو قوله تعالى والصالحين من عبادكم وإمائكم ثم لم يكن الصلاح شرط الجواز ونظيره قوله تعالى فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا أو تحمل الآية الكريمة على إنكاح الصغار عملا بالدلائل كلها وعلى هذا يحمل قوله صلى الله عليه وسلم لا يزوج النساء الا الأولياء ان ذلك على الندب والاستحباب وكذا قوله صلى الله عليه وسلم لا نكاح الا بولي مع ما حكى عن
(٢٤٨)