لان مصالح النكاح مضمنة تحت الكفاءة والمهر ولا شك ان الابعد متمكن من احراز الكفء الحاضر بحيث لا يفوته غالبا والأقرب الغائب غيبة منقطعة لا يقدر على احرازه غالبا لان الكفء الحاضر لا ينتظر حضوره واستطلاع رأيه غالبا وكذا الكفء المطلق لأن المرأة تخطب حيث هي عادة فكان الابعد أقدر على احراز الكفء من الأقرب فكان أقدر على احراز النظر فكان أولى بثبوت الولاية له إذ المرجوح في مقابلة الراجح ملحق بالعدم في الأحكام كما في الأب مع الجد وأما قوله إن ولاية الأقرب قائمة فممنوع ولا نسلم أنه يجوز انكاحه بل لا يجوز فولايته منقطعة بواحدة وقد روى عن أصحابنا ما يدل على هذا فإنهم قالوا إن الأقرب إذا كتب كتابا إلى الابعد ليقدم رجلا في الصلاة على جنازة الصغير فان للأبعد ان يمتنع عن ذلك ولو كانت ولاية الأقرب قائمة لما كان له الامتناع كما إذا كان الأقرب حاضرا فقدم رجلا ليس للأبعد ولاية المنع والمعقول يدل عليه وهو أن ثبوت الولاية لحاجة المولى عليه ولا مدفع لحاجته برأي الأقرب لخروجه من أن يكون منتفعا به بالغيبة فكان ملحقا بالعدم فصار كأنه جن أو مات إذ الموجود الذي لا ينتفع به والعدم الأصلي سواء ولان القول بثبوت الولاية للأبعد مع ولاية الأقرب يؤدى إلى الفساد لان الأقرب ربما يزوجها من إنسان حيث هو ولا يعلم الابعد بذلك فيزوجها من غيره فيطؤها الزوج الثاني ويجئ بالأولاد ثم يظهر أنها زوجة الأول وفيه من الفساد ما لا يخفى ثم إن سلمنا على قول بعض المشايخ فلا تنافى بين الولايتين فأيهما زوج جاز كما إذا كان لها اخوان أو عمان في درجة واحدة وفيه كمال النظر في حق العاجز لان الكفء ان اتفق حيث الابعد زوجها منه وان اتفق حيث الأقرب زوجها منه فيكمل النظر الا أن في حال الحضرة يرجح الأقرب باعتبار زيادة الشفقة لزيادة القرابة وبه تبين ان نقل الولاية إلى السلطان باطل لان السلطان ولى من لا ولى له وههنا لها ولى أو وليان فلا تثبت الولاية للسلطان الا عند العضل من الولي ولم يوجد والله الموفق واختلفت الأقاويل في تحديد الغيبة المنقطعة وعن أبي يوسف روايتان في رواية قال ما بين بغداد والري وفى رواية مسيرة شهر فصاعدا وما دونه ليس بغيبة منقطعة وعن محمد روايتان أيضا روى عنه ما بين الكوفة إلى الري وروى عنه من الرقة إلى البصرة وذكر ابن شجاع إذا كان غائبا في موضع لا تصل إليه القوافل والرسل في السنة الا مرة واحدة فهو غيبة منقطعة وإذا كانت القوافل تصل إليه في السنة غير مرة فليست بمنقطعة وعن الشيخ الامام أبى بكر محمد بن الفضل البخاري أنه قال إن كان الأقرب في موضع يفوت الكفء الخاطب باستطلاع رأيه فهو غيبة منقطعة وإن كان لا يفوت فليست بمنقطعة وهذا أقرب إلى الفقه لان التعويل في الولاية على تحصيل النظر للمولى عليه ودفع الضرر عنه وذلك فيما قاله هذا إذا اجتمع في الصغير والصغيرة والمجنون الكبير والمجنونة الكبيرة وليان أحدهما أقرب والآخر أبعد فاما إذا كانا في الدرجة سواء كالأخوين والعمين ونحو ذلك فلكل واحد منهما على حياله ان يزوج رضى الآخر أو سخط بعد إن كان التزويج من كف ء بمهر وافر وهذا قول عامة العلماء وقال مالك ليس لأحد الأولياء ولاية الانكاح ما لم يجتمعوا بناء على أن هذه الولاية ولاية شركة عنده وعندنا وعند العامة ولاية استبداد (وجه) قوله إن سبب هذه الولاية هو القرابة وانها مشتركة بينهم فكانت الولاية مشتركة لان الحكم يثبت على وفق العلة وصار كولاية الملك فان الجارية بين اثنين إذا زوجها أحدهما لا يجوز من غير رضا الآخر لما قلنا كذا هذا (ولنا) ان الولاية لا تتجزأ لأنها ثبتت بسبب لا يتجزأ وهو القرابة وما لا يتجزأ إذا ثبت بجماعة سبب لا يتجزأ يثبت لكل واحد منهم على الكمال كأنه ليس معه غيره كولاية الأمان بخلاف ولاية الملك لان سببها الملك وأنه متجزئ فيتقدر بقدر الملك فان زوجها كل واحد من الوليين رجلا على حدة فان وقع العقدان معا بطلا جميعا لأنه لا سبيل إلى الجمع بينهما وليس أحدهما أولى من الآخر وان وقعا مرتبا فإن كان لا يدرى السابق فكذلك لما قلنا ولأنه لو جاز لجاز بالتجزئ ولا يجوز العمل بالتجزئ في الفروج
(٢٥١)