أولى ولا يجزئ دم الفدية الا في الحرم كدم الاحصار ودم المتعة والقران وأما الصدقة والصوم فإنهما يجزيان حيث شاء وقال الشافعي لا نجزئ الصدقة الا بمكة وجه قوله إن الهدى يختص بمكة فكذا الصدقة والجامع بينهما ان أهل الحرم ينتفعون بذلك ولنا قوله تعالى ففدية من صيام أو صدقة أو نسك مطلقا عن المكان الا أن النسك قيد بالمكان بدليل فمن ادعى تقييد الصدقة فعليه الدليل وأما قوله إن الهدى إنما اختص بالحرم لينتفع به أهل الحرم فكذا الصدقة فنقول هذا الاعتبار فاسد لأنه لا خلاف في أنه لو ذبح الهدى في غير الحرم وتصدق بلحمه في الحرم انه لا يجوز ولو ذبح في الحرم وتصدق به على غير أهل الحرم يجوز والدليل على التفرقة بين الهدى والاطعام ان من قال لله على أن أهدى ليس له أن يذبح الا بمكة ولو قال لله على اطعام عشرة مساكين أو لله على عشرة دراهم صدقة له ان يطعم ويتصدق حيث شاء فدل على التفرقة بينهما ولو حل على ظن أنه ذبح عنه ثم تبين انه لم يذبح فهو محرم كما كان لا يحل ما لم يذبح عنه لعدم شرط الحل وهو ذبح الهدى وعليه لاحلاله تناول محظور احرامه دم لأنه جنى على احرامه فيلزمه الدم كفارة لذنبه ثم الهدى بدنة أو بقرة أو شاة وأدناه شاة لما روينا ولان الهدى في اللغة اسم لما يهدى أي يبعث وينقل وفى الشرع اسم لما يهدى إلى الحرم وكل ذلك مما يهدى إلى الحرم والأفضل هو البدنة ثم البقرة لما ذكرنا في المتمتع ولما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أحصر بالحديبية نحر البدن وكان يختار من الاعمال أفضلها وإن كان قارنا لا يحل الا بدمين عندنا وعند الشافعي يحل بدم واحد بناء على أصل ذكرناه فيما تقدم ان القارن محرم باحرامين فلا يحل الا بهديين وعنده محرم باحرام واحد ويدخل احرام العمرة في الحجة فيكفيه دم واحد ولو بعث القارن بهديين ولم يبين أيهما للحج وأيهما للعمرة لم يضره لان الموجب لهما واحد فلا يشترط فيه تعيين النية كقضاء يومين من رمضان ولو بعث القارن بهدي واحد ليتحلل من الحج ويبقى في احرام العمرة لم يتحلل من واحد منهما لان تحلل القارن من أحد الاحرامين متعلق بتحلله من الآخر لان الهدى بدل عن الطواف ثم لا يتحلل بأحد الطوافين عن أحد الاحرامين فكذا بأحد الهديين ولو كان احرم بشئ واحد لا ينوى حجة ولا عمرة ثم أحصر يحل بهدي واحد وعليه عمرة استحسانا لان الاحرام بالمجهول صحيح لما ذكرنا فيما تقدم وكان البيان إليه ان شاء صرفه إلى الحج وان شاء إلى العمرة لأنه هو المجمل فكان البيان إليه كما في الطلاق وغيره والقياس ان لا تتعين العمرة بالاحصار لعدم التعيين قولا ولا فعلا لان ذلك ان يأخذ في عمل أحدهما ولم يوجد الا انهم استحسنوا وقالوا تتعين العمرة بالاحصار لأن العمرة أقلهما وهو متيقن ولو كان أحرم بشئ واحد وسماه ثم نسيه وأحصر يحل بهدي واحد وعليه حجة وعمرة اما الحل بهدي واحد فلانه محرم باحرام واحد وأيهما كان فإنه يقع التحلل منه بدم وحد واما لزوم حجة وعمرة فلانه يحتمل انه كان قد أحرم بحجة ويحتمل بعمرة فإن كان احرامه بحجة فالعمرة لا تنوب منابها وإن كان بالعمرة فالحجة لا تنوب منابها فيلزمه ان يجمع بينهما احتياطا ليسقط الفرض عن نفسه بيقين كمن نسي صلاة من الصلوات الخمس انه يجب عليه إعادة خمس صلوات ليسقط الفرض عن نفسه بيقين كذا هذا وكذلك ان لم يحصر ووصل فعليه حجة وعمرة ويكون عليه ما على القارن لأنه جمع بين الحج والعمرة على طريق النسك واما مكان ذبح الهدى فالحرم عندنا وقال الشافعي له ان يذبح في الموضع الذي أحصر فيه احتج بما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر الهدى عام الحديبية ولم يبلغنا انه نحر في الحرم ولان التحلل بالهدى ثبت رخصة وتيسيرا وذلك في الذبح في أي موضع كان ولنا قوله تعالى ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدى محله ولو كان كل موضع محلا له لم يكن لذكر المحل فائدة ولأنه عز وجل قال ثم محلها إلى البيت العتيق أي إلى البقعة التي فيها البيت بخلاف قوله تعالى وليطوفوا بالبيت العتيق ان المراد منه نفس البيت لان هناك ذكر بالبيت وههنا ذكر إلى البيت وأما ما روى من الحديث فقد روى في رواية أخرى انه نحر هديه عام الحديبية في الحرم فتعارضت الروايات فلم يصح الاحتجاج به وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل الحديبية فحال المشركون بينه وبين دخول مكة فجاء
(١٧٩)