شر العدو عن نفسه بالقتال فيدفع الاحصار عن نفسه ولا يمكنه دفع المرض عن نفسه فلما جعل ذلك عذرا فلان يجعل هذا عذرا أولى والله أعلم وسواء كان العدو المانع كافرا أو مسلما لتحقق الاحصار منهما وهو المنع عن المضي في موجب الاحرام فيدخل تحت عموم الآية وكذا ما ذكرنا من المعنى الموجب لثبوت حكم الاحصار وهو إباحة التحلل وغيره لا يوجب الفصل بين الاحصار من المسلم ومن الكافر ولو سرقت نفقته أو هلكت راحلته فإن كان لا يقدر على المشي فهو محصر لأنه منع من المضي في موجب الاحرام فكان محصرا كما لو منعه المرض وإن كان يقدر على المشي فليس بمحصر لأنه قادر على المضي في موجب الاحرام فلا يجوز له التحلل ويجب عليه المشي إلى الحج إن كان محرما بالحج ويجوز ان لا يجب على الانسان المشي إلى الحج ابتداء ويجب عليه بعد الشروع فيه كالفقير الذي لا زاد له ولا راحلة شرع في الحج انه يجب عليه المشي وإن كان لا يجب عليه ابتداء قبل الشروع كذا هذا قال أبو يوسف فان قدر على المشي في الحال وخاف ان يعجز جاز له التحلل لان المشي الذي لا يوصله إلى المناسك وجوده والعدم بمنزلة واحدة فكان محصرا فيجوز له التحلل كما لو لم يقدر على المشي أصلا وعلى هذا يخرج المرأة إذا أحرمت ولا زوج لها ومعها محرم فمات محرمها أو أحرمت ولا محرم معها ولكن معها زوجها فمات زوجها انها محصرة لأنها ممنوعة شرعا من المضي في موجب الاحرام بلا زوج ولا محرم وعلى هذا يخرج ما إذا أحرمت بحجة التطوع ولها محرم وزوج فمنعها زوجها انها محصرة لان للزوج أن يمنعها من حجة التطوع كما أن له أن يمنعها عن صوم التطوع فصارت ممنوعة شرعا بمنع الزوج فصارت محصرة كالممنوع حقيقة بالعدو وغيره وان أحرمت ومعها محرم وليس لها زوج فليس بمحصرة لأنها غير ممنوعة عن المضي في موجب الاحرام حقيقة وشرعا وكذلك إذا كان لها محرم ولها زوج فأحرمت باذن الزوج انها لا تكون محصرة وتمضي في احرامها لان الزوج اسقط حق نفسه بالاذن وان أحرمت وليس لها محرم فإن لم يكن لها زوج فهي محصرة لأنها ممنوعة عن المضي في موجب الاحرام بغير زوج ولا محرم وإن كان لها زوج فان أحرمت بغير اذنه فكذلك لأنها ممنوعة من المضي بغير اذن الزوج وان أحرمت باذنه لا تكون محصرة لأنها غير ممنوعة وان أحرمت بحجة الاسلام ولا محرم لها ولا زوج فهي محصرة لأنها ممنوعة عن المضي في موجب الاحرام لحق الله تعالى وهذا المنع أقوى من منع العباد وإن كان لها محرم وزوج ولها استطاعة عند خروج أهل بلدها فليست بمحصرة لأنه ليس للزوج ان يمنعها من الفرائض كالصلوات المكتوبة وصوم رمضان وإن كان لها زوج ولا محرم معها فمنعها الزوج فهي محصرة في ظاهر الرواية لان الزوج لا يجبر على الخروج ولا يجوز لها الخروج بنفسها ولا يجوز للزوج أن يأذن لها بالخروج ولو أذن لا يعمل اذنه فكانت محصرة وهل للزوج أن يحللها روى عن أبي حنيفة أن له أن يحللها لأنها لما صارت محصرة ممنوعة عن الخروج والمضي بمنع الزوج صار هذا كحج التطوع وهناك للزوج أن يحللها فكذا هذا ولو أجرم العبد والأمة بغير اذن المولي فهو محصر لأنه ممنوع عن المضي بغير اذنه وللمولى أن يحلله وإن كان باذنه فللمولى أن يمنعه الا أنه يكره له ذلك لأنه خلف في الوعد ولا يكون الحاج محصرا بعدما وقف بعرفة ويبقى محرما عن النساء إلى أن يطوف طواف الزيارة وإنما قلنا إنه لا يكون محصرا لقوله تعالى فان أحصرتم فما استيسر من الهدى أي فان أحصرتم عن اتمام الحج والعمرة لأنه مبنى على قوله وأتموا الحج والعمرة لله وقد تم حجة بالوقوف لقوله صلى الله عليه وسلم الحج عرفة فمن وقف بعرفة فقد تم حجه وبعد تمام الحج لا يتحقق الا حصار ولان المحصر اسم لفائت الحج وبعد وجود الركن الأصلي وهو الوقوف لا يتصور الفوات فلا يكون محصرا ولكنه يبقى محرما عن النساء إلى أن يطوف طواف الزيارة لان التحلل عن النساء لا يحصل بدون طواف الزيارة فان منع حتى مضى أيام النحر والتشريق ثم خلى سبيله يسقط عنه الوقوف بمزدلفة ورمى الجار وعليه دم لترك الوقوف بمزدلفة ودم لترك الرمي لان كل واحد منهما واجب وعليه أن يطوف طواف الزيارة وطواف الصدر وعليه لتأخير طواف الزيارة عن أيام النحر دم عند أبي حنيفة وكذا عليه لتأخير الحلق عن أيام النحر دم عنده وعندهما لا شئ عليه والمسألة مضت في
(١٧٦)