اختلافهم راجع إلى تأويل قوله تعالى في آية التيمم أو لامستم النساء أو لمستم فعلى وابن عباس أولا ذلك بالجماع وقالا كنى الله تعالى عن الوطئ بالمسيس والغشيان والمباشرة والافضاء والرفت وعمرو ابن مسعود أولاه بالمس باليد فلم يكن الجنب داخلا في هذه الآية فبقي الغسل واجبا عليه بقوله وان كنتم جنبا فاطهروا وأصحابنا أخذوا بقول على وابن عباس لموافقة الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للجنب من الجماع ان يتيمم إذا لم يجد الماء وعن أبي هريرة ان رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله انا قوم نسكن الرمال ولا نجد الماء شهرا أو شهرين وفينا الجنب والنفساء والحائض فكيف نصع فقال صلى الله عليه وسلم عليكم بالأرض وفى رواية عليكم بالصعيد وكذا حديث عمار رضي الله عنه وغيره على ما نذكره ويجوز التيمم من الحيض والنفاس لما روينا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ولأنهما بمنزلة الجنابة فكان ورود النص في الجنابة ورودا فيهما دلالة وللمسافر ان يجامع امرأته وإن كان لا يجد الماء وقال مالك يكره وجه قوله إن جواز التيمم للجنب اختلف فيه كبار الصحابة رضي الله عنهم فكان الجماع اكتسابا لسبب وقوع الشك في جواز الصلاة فيكره (ولنا) ما روى عن أبي مالك الغفاري رضي الله عنه أنه قال قلت للنبي صلى الله عليه وسلم أأجامع امرأتي وانا لا أجد الماء فقال جامع امرأتك وان كنت لا تجد الماء إلى عشر حجج فان التراب كافيك (واما) بيان معناه فالتيمم في اللغة القصد يقال تيمم ويمم إذا قصد ومنه قول الشاعر وما أدرى إذا يممت أرضا * أريد الخبر أيهما يليني أألخير الذي انا أبتغيه * أم الشر الذي هو يبتغيني قوله يممت أي قصدت وفي عرف الشرع عبارة عن استعمال الصعيد في عضو بن مخصوصين على قصد التطهير بشرائط مخصوصة نذكرها في مواضعها إن شاء الله تعالى * (فصل) * واما ركنه فقد اختلف فيه قال أصحابنا هو ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين وهو أحد قولي الشافعي وفي قوله الآخر وهو قول مالك ضربة للوجه وضربة لليدين إلى الرسغين وقال الزهري ضربة للوجه وضربة لليدين ال الآباط وقال ابن أبي ليلى ضربتان يمسح بكل واحدة منهما الوجه والذراعين جميعا وقال ابن سيرين ثلاث ضربات ضربة للوجه وضربة للذراعين وضربة أخرى لهما جميعا وقال بعض الناس هو ضربة واحدة يستعملها في وجهه ويديه وحجتهم ظاهر قوله تعالى فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه أمر بالتيمم وفسره يمس الوجه واليدين بالصعيد مطلقا عن شرط الضربة والضربتين فيجرى على اطلاقه وبه يحتج الزهري فيقول إن الله تعالى أمر بمسح اليد واليد اسم لهذه الجارحة من رؤس الأصابع إلى الآباط ولولا ذكر المرافق غاية للامر بالغسل في باب الوضوء لوجب غسل هذا المحدود والغاية ذكرت في الوضوء دون التيمم واحتج مالك والشافعي بما روى أن عمار بن ياسر رضي الله عنه أجنب فتمعك في التراب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اما علمت أنه يكفيك الوجه والكفان (ولنا) الكتاب والسنة اما الكتاب فقوله تعالى فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه والآية حجة على مالك والشافعي لان الله تعالى أمر بمسح اليد فلا يجوز التقييد بالرسغ الا بدليل وقد قام دليل التقييد بالمرفق وهو ان المرفق جعل غاية للامر بالغسل وهو الوضوء والتيمم يدل عن الوضوء والبدل لا يخالف المبدل فذكر الغاية هناك يكون ذكرا ههنا دلالة وهو الجواب عن قول من يقول إن التيمم ضربة واحدة لان النص لم يتعرض للتكرار لان النص إن كان لم يتعرض للتكرار أصلا نصا فهو متعرض له دلالة لان التيمم خلف عن الوضوء ولا يجوز استعمال ماء واحد في عضوين في الوضوء فلا يجوز استعمال تراب واحد في عضوين في التيمم لان الخلف لا يخالف الأصل وكذا هي حجة على ابن أبي ليلى وابن سيرين لان الله تعالى امر بمسح الوجه واليدين فيقتضى وجود فعل المسح على كل واحد منهما مرة واحدة لان الامر المطلق لا يقتضى التكرار وفيما قالاه تكرار فلا تجوز الزيادة على الكتاب الا بدليل صالح للزيادة (وأما) السنة فما
(٤٥)