بعد الممات لان الغسل في الموضعين لأجل الصلاة الا انه لا يمضمض الميت ولا يستنشق لان إدارة الماء في فم الميت غير ممكن ثم يتعذر اخراجه من الفم الا بالكب وذا مثلة مع أنه لا يؤمن أن يسيل منه شئ لو فعل ذلك به وكذا الماء لا يدخل الخياشيم الا بالجذب بالنفس وذا غير متصور من الميت ولو كلف الغاسل ذلك لوقع في الحرج وكذا لا يؤخر غسل رجليه عند التوضئة بخلاف حالة الحياة لان هناك الغسالة تجتمع عند رجليه ولا تجتمع الغسالة وعلى التخت فلم يكن التأخير مفيدا وكذا لا يمسح رأسه ويمسح في حالة الحياة في ظاهر الرواية لان المسح هناك سن تعبد الا تطهيرا وههنا لو سن لسن تطهير الا تعبدا والتطهير لا يحصل بالمسح ثم يغسل رأسه ولحيته بالخطمى لان ذلك أبلغ في التنظيف فإن لم يكن فبالصابون وما أشبهه فإن لم يكن فيكفيه الماء القراح ولا يسرح لما روى عن عائشة انها رأت قوما يسرحون ميتا فقالت علام تنصون ميتكم أي تسرحون شعره وهذا قول روى عنها ولم يروعن غيرها خلاف ذلك فحل محل الاجماع ولأنه لو سرح ربما يتناثر شعره والسنة ان يدفن الميت بجميع أجزائه ولهذا لا تقص أظفاره وشاربه ولحيته ولا يختن ولا ينتف إبطه ولا تحلق عانته ولان ذلك يفعل لحق الزينة والميت ليس بمحل الزينة ولهذا لا يزال عنه شئ مما ذكرنا وإن كان فيه حصول زينة وهذا عندنا وعند الشافعي يسرح ويزال عنه شعر العانة والإبط إذا كانا طويلين وشعر الرأس يزال إن كان يتزين بإزالة الشعر ولا يحلق في حق من كان لا يحلق في حال الحياة وكان يتزين بالشعر واحتج الشافعي بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال اصنعوا بموتاكم ما تصنعون بعرائسكم ثم هذه الأشياء تصنع بالعروس فكذا بالميت (ولنا) ما روينا عن عائشة وذكرنا من المعقول وبه تبين ان ما رواه ينصرف إلى زينة ليس فيها زالة شئ من اجزاء الميت كالطيب والتنظيف من الدرن ونحو ذلك بدليل ما روينا ثم يضجعه على شقه الأيسر لتحصل البداية بجانبه الأيمن إذا السنة هي البداية بالميامن على ما مر فيغسله بالماء القراح حتى ينقيه ويرى أن الماء قد خلص إلى ما يلي التخت منه ثم قد كان أمر الغاسل قبل ذلك أن يغلى الماء بالسدر فإن لم يكن سدر فحرض فإن لم يكن واحد منهما فالماء القراح ثم يضجعه على شقه الأيمن فيغسله بماء السدر أو الحرض أو الماء القراح حتى يرى أن الماء قد وصل إلى ما يلي التخت منه ثم يقعده ويسنده إلى صدره أو يده فيمسح بطنه مسحا رفيقا حتى أن بقي شئ عند المخرج يسيل منه هكذا ذكر في ظاهر الرواية وروى عن أبي حنيفة في غير رواية الأصول انه يقعده ويمسح بطنه أولا ثم يغسله بعد ذلك ووجهه انه قد يكون في بطنه شئ فيمسح حتى لو سال منه شئ يغسله بعد ذلك ثلاث مرات فيطهر ووجه ظاهر الرواية ان الميت قد يكون في بطنه نجاسة منعقدة لا تخرج بالمسح قبل الغسل وتخرج بعد ما غسل مرتين بماء حار فكان المسح بعد المرتين أولى والأصل في المسح ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تولى غسله على والعباس والفضل بن العباس وصالح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أسند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نفسه ومسح بطنه مسحا رفيقا فلم يخرج منه شئ فقال علي رضي الله عنه طبت حيا وميتا وروى أنه لما مسح بطنه فاح ريح المسك في البيت ثم إذا مسح بطنه فان سال منه شئ يمسحه كيلا يتلوث الكفن ويغسل ذلك الموضع تطهيرا له عن النجاسة الحقيقية ولم يذكر في ظاهر الرواية سوى المسح ولا يعيد الغسل ولا الوضوء عندنا وقال الشافعي يعيد الوضوء استدلا لا بحالة الحياة (ولنا) ان الموت أشد من خروج النجاسة ثم هو لم يمنع حصول الطهارة فلان لا يرفعها الخارج مع أن المنع أسهل أولى ثم يضجعه على شقه الأيمن فيغسله بالماء القراح حتى ينقيه ليتم عدد الغسل ثلاثا لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للآتي غسلن ابنته اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا ولان الثلاث هو العدد المسنون في الغسل حالة الحياة فكذا بعد الموت فالحاصل انه يغسل في المرة الأولى بالماء القراح ليبتل الدرن والنجاسة ثم في المرة الثانية بماء السدر أو ما يجرى مجراه في التنظيف لان ذلك أبلغ في التطهير وإزالة الدرن ثم في المرة الثالثة بالماء القراح وشئ من الكافور وقال الشافعي في المرة الأولى لا يغسل بالماء الحار لأنه يزيده استرخاء فينبغي أن يغسله بالماء البارد وهذا غير سديد لأنه إنما يغسله ليسترخى فيزول عنه ما عليه من الدرن والنجاسة ثم ينشفه في ثوب كيلا تبتل أكفانه كما يفعل في حالة الحياة بعد الغسل
(٣٠١)