التلافي فالشرع نظر له بجواز البناء صيانة لهذه الفضيلة عليه من الفوت وهو مستحق للنظر لحصول الحدث من غير قصده واختيار بخلاف الحدث العمد لان متعمد الحدث في الصلاة جان فلا يستحق النظر وعلى هذا يخرج ما إذا كان به دمل فعصره حتى سال أو كان في موضع ركبته فانفتح من اعتماده على ركبته في سجوده لا يجوز له البناء لان هذا بمنزلة الحدث العمد وكذا إذا تكلم في الصلاة عامدا أو ناسيا أو عمل فيها ما ليس من أعمال الصلاة وهو كثير لا يجوز له البناء لان كل ذلك نادر في الصلاة فلم يكن في معنى المنصوص والمجمع عليه وكذا إذا جن في الصلاة أو أغمي عليه ثم أفاق لا يبنى وإن كان ذلك في معنى الحدث السابق لأنه لا صنع له فيهما لان اعتراضهما في الصلاة نادر فلم يكونا في معنى ما ورد فيه النص والاجماع وكذا لو انتضح البول على بدن المصلى أو ثوبه أكثر من قدر الدرهم من موضع فانفتل فغسله لا يبنى على صلاته في ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف في غير رواية الأصول انه يبنى وجه هذه الرواية ان النجاسة وصلت إلى بدنه من غير قصد فكان في معنى الحدث السابق ولان هذا بعض ما ورد فيه الخبر لأنه لو رعف فأصاب بدنه أو ثوبه نجاسة فإنه يتوضأ ويغسل تلك النجاسة وههنا لا يحتاج إلى غسل النجاسة لا غير فلما جاز البناء هناك فلان يجوز هنا أولى وجه ظاهر الرواية ان هذا النوع مما لا يغلب وجوده فلم يكن في معنى مورد النص والاجماع ولان له بدا من غسل النجاسة عن الثوب في الجملة بأن يكون عليه ثوبان فيلقى ما تنجس من ساعته ويصلى في الآخر بخلاف الوضوء فإنه أمر لابد منه ولو انتضح البول على ثوب المصلى فإن كان أكثر من قدر الدرهم من موضع فإن كان عليه ثوبان ألقى النجس من ساعته ومضى على صلاته استحسانا والقياس ان يستقبل لوجود شئ من الصلاة مع النجاسة لكنا نقول إن هذا مما لا يمكن التحرز عنه فيجعل عفوا وان أدى ركنا أو مكث بقدر ما يتمكن من أداء ركن يستقبل قياسا واستحسانا وان لم يكن عليه الا ثوب واحد فانصرف وغسله لا يبنى في ظاهر الرواية ولو أصابته بندقة فشجته أو رماه انسان بحجر فشجه أو مس رجل قرحه فأدماه أو عصره فانفلت منه ريح أو حدث آخر لا يجوز له البناء في قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف يبنى واحتج بما روى أن عمر رضي الله عنه لما طعن في المحراب استخلف عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ولو فسدت صلاته لفسدت صلاة القوم ولم يستخلف ولان هذا حدث حصل بغير صنعه فكان كالحدث السماوي ولان الشاج لم يوجد منه الا فتح باب الدم فبعد ذلك خروج الدم بنفسه لا بتسييل أحد فأشبه الرعاف وجه قولهما ان هذا الحدث حصل بصنع العباد بخلاف الحدث السماوي وكذا هذا النوع من الحدث في الصلاة مما يندر وقوعه لان الرامي منهى عن الرمي فلا يقصده غالبا والإصابة خطأ نادر لأنه يتحرز خوفا من الضمان فلم يكن في معنى مورد النص والاجماع فيعمل فيه بالقياس المحض ألا ترى ان من عجز عن القياس بسبب المرض جاز له أداء الصلاة قاعدا ولو عجز عن القيام بفعل البشر بان قيده انسان لم يجز لغلبة الأول وندرة الثاني كذا هذا وأما قوله إن هذا فتح باب الدم فنقول نعم لكن من فتح باب المائع حتى سال المائع جعل ذلك مضافا إلى الفاتح لانعدام اختيار السائل في سيلانه ولهذا يجب ضمان الدهن على شاق الزق إذا سال الدهن والله أعلم ولو سقط المدر من السقف من غير مشى أحد على السطح على المصلى أو سقط الثمر من الشجر على المصلى أو أصابه حشيش المسجد فأدماه اختلف المشايخ فيه منهم من جوز له البناء بالاجماع لانقطاع ذلك عن فعل العباد ومنهم من جعل المسألة على الخلاف لوقوع ذلك في حد القلة وأما حديث عمر رضي الله عنه فقد قيل كان الاستخلاف قبل افتتاح الصلاة فاستخلفه ليفتتح الصلاة ألا ترى انه روى أنه لما طعن قال آه قتلني الكلب من يصلى بالناس ثم قال تقدم يا عبد الرحمن ومعلوم ان هذا كلام يمنع البناء على الصلاة ومنها حقيقة الحدث لا وهم الحدث ولا ما جعل حدثا حكما حتى لو علم أنه لم يسبقه الحدث لكنه خاف أن يبتدره فانصرف قبل أن يسبقه الحدث ثم سبقه لا يجوز له البناء في ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف انه يجوز وجه قوله إنه عجز عن المضي فصار كما لو سبقه الحدث ثم انصرف وجه ظاهر الرواية انه صرف وجهه عن القبلة من غير عذر فلم يكن في معنى مورد النص والاجماع فبقي على أصل القياس وكذا إذا جن في الصلاة أو أغمي عليه أو نام مضطجعا
(٢٢١)