رمضان لمكان الآية، ويمكن أن يقال: الوجه في ذلك تكسير الشهوة لسائر الشهر وإرضاء النفس اللوامة، والأشبه أن يكون المراد بليلة الصيام ليالي الشهر كله وإنما ذكر بلفظ التوحيد لأنه اسم جنس دل على الكثير.
وقوله تعالى: علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم، معناه أنهم كانوا لما حرم عليهم الجماع في شهر رمضان بعد النوم خالفوا في ذلك، فذكرهم الله بالنعمة في الرخصة التي نسخت تلك الفريضة، فإن قيل: أ ليس الخيانة انتقاض الحق عن جهة المساترة، فكيف يساتر الانسان نفسه؟
قلنا عنه جوابان: أحدهما أن بعضهم كان يساتر بعضا فيه فصار كأنه يساتر نفسه لأن ضرر النقص والمساترة داخل عليه، والثاني أنه يعمل عمل المساتر له فهو يعمل لنفسه عمل الخائن له.
وقوله تعالى: وعفا عنكم: أي أزال تحريم ذلك عنكم وذلك عفو عن تحريمه عنهم " فالآن باشروهن " أي جامعوهن ومعناه الإباحة دون الأمر، " وابتغوا ما كتب الله لكم " في معناه قولان: أحدهما قال الحسن يعني طلب الولد، والثاني قال قتادة يعني الحلال الذي بينه الله في كتابه بقوله " كلوا واشربوا " إباحة للأكل والشرب حتى يظهر بياض الفجر من سواد الليل، وقيل خيط الفجر الثاني مما كان في موضعه من الظلام، وقيل النهار من الليل فأول النهار طلوع الفجر الثاني لأنه أوسع ضياءا، وقوله تعالى: " من الفجر " يحتمل من معنيين:
التبعيض لأن المعنى بعض الفجر وليس الفجر كله، أو التبيين أي حتى يتبين الخيط الأبيض الذي هو الفجر.
فصل:
وقوله: ثم أتموا الصيام إلى الليل، والليل هو بعد غروب الشمس وعلامة دخوله على الاستظهار سقوط الحمرة من جانب المشرق وإقبال السواد منه، وإلا فإذا غابت الشمس مع ظهور الآفاق في الأرض المبسوطة وعدم الجبال والروابي فقد دخل الليل.
وقوله: وكلوا واشربوا، يمكن أن يقال هو أمر على الوجوب يتناول ما هو قوام البدن،