قال المسعودي: «واعتلّ أبو الحسن علّته التي مضى فيها في سنة أربع وخمسين ومائتين فاحضر أبا محمّد ابنه فسلم اليه النور والحكمة ومواريث الأنبياء والسلاح وأوصى اليه ومضى وسنّه أربعون سنة ... حدّثنا جماعة كل واحد منهم يحكى أنه دخل الدار وقد اجتمع فيا جملة بني هاشم من الطالبيين والعباسيين واجتمع خلق من الشيعة ولم يظهر عندهم أمر أبي محمّد ولا عرف خبره الّا الثقات الذين نصّ أبو الحسن عندهم عليه فحكموا أنهم كانوا في مصيبة وحيرة، فهم في ذلك اذ خرج من الدار الداخلة خادم فصاح بخادم آخر: يا ريّاش خذ هذه الرقعة وامض بها الى دار أميرالمؤمنين وادفعها الى فلان وقل له: هذه رقعة الحسن بن علي فاستشرف الناس لذلك، ثم فتح من صدر الرواق باب وخرج خادم أسود ثم خرج بعده أبو محمّد حاسراً مكشوف الرأس مشقوق الثياب وعليه مبطنة بيضاء وكان وجهه وجه أبيه لا يخطى ء منه شيئاً، وكان في الدار أولاد المتوكل وبعضهم ولاة العهود فلم يبق أحد الّا قام على رجليه، ووثب اليه أبو محمّد الموفق فقصده أبو محمّد عليه السّلام فعانقه، ثم قال له: مرحباً بابن العم، وجلس بين بابي الرواق، والناس كلهم بين يديه، وكانت الدار كالسوق بالأحاديث فلما خرج وجلس أمسك الناس فما كنا نسمع شيئاً الّا العطسة والسعلة. وخرجت جارية تندب أبا الحسن فقال أبو محمّد: ما هاهنا من يكفي مؤنة هذه الجاهلة؟! فبادر الشيعة اليها فدخلت الدار. ثم خرج خادم فوقف بحذاء أبي محمّد فنهض.
واخرجت الجنازة وخرج يمشي حتى أخرج بها الى الشارع، وقد كان أبو محمّد قبل ان يخرج الى الناس صلّى عليه وصلّى عليه لما أخرج المعتمد، ثم دفن في دار من دوره. واشتد الحر على أبي محمّد وضغطه الناس في طريقه ومنصرفه من الشارع بعد الصلاة عليه، فصار في طريقه الى دكان بقال رآه مرشوشاً فسلّم