قال المسعودي: «وقد كان سعي بأبي الحسن علي بن محمّد الى المتوكل، وقيل له: ان في منزله سلاحاً وكتباً وغيرها من شيعته، فوجه اليه ليلًا من الأتراك وغيرهم من هجم عليه في منزله على غفلة ممن في داره، فوجده في بيت وحده مغلق عليه وعليه مدرعة من شعر، ولا بساط في البيت الّا الرمل والحصى، وعلى رأسه ملحفة من الصوف متوجّهاً الى ربّه يترنم بآيات من القران في الوعد والوعيد، فأخذ على ما وجد عليه، وحمل الى المتوكل في جوف الليل، فمثل بين يديه، والمتوكل يشرب وفي يده كأس، فلمّا راه أعظمه وأجلسه الى جنبه ولم يكن في منزله شي ء ممّا قيل فيه، ولا حالة يتعلل عليه بها، فناوله المتوكّل الكأس الذي في يده، فقال: يا أميرالمؤمنين ما خامر لحمي ودمي قط فاعفني منه، فاعفاه وقال:
أنشدني شعراً أستحسنه، فقال: انّي لقليل الرواية للأشعار، فقال: لا بدّ أن تنشدني فأنشده:
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم | غلب الرجال فما اغنتهم القلل | |
واستنزلوا بعد عزّ من معاقلهم | فأودعوا حفراً يا بئس ما نزلوا | |
ناداهم صارخ من بعد ما قبروا | أين الأسرّة والتيجان والحلل؟ | |
أين الوجوه التي كانت منعمة | من دونها تضرب الأستار والكلل | |
فأفصح القبر عنهم حين سائلهم | تلك الوجوه عليها الدود يقتتل | |
قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا | فاصبحوا بعد طول الأكل قد اكلوا |