نفاقاً بالولاء له ولآبائه، وأمر الولاة بالدعوة للرضا عليه السّلام على المنابر.
وما يهمه من هذا التضليل الّا أن يتلافى مشكلة العلويين الذين كانوا يهددون دولة المأمون، وأن يطمئن على موقف الشيعة من خلافته، ولكن المأمون كان يضمر السوء بأن يجعل من الإمام واجهة يستر بها أهدافه ومصالحه، كما يشير الى ذلك ما جاء في جوابه لبني العباس عندما اعترض عليه بعضهم قائلًا: يا أميرالمؤمنين، أعيذك باللَّه أن يكون تاريخ الخلفاء في اخراجك هذا الشرف العميم والفخر العظيم من بيت ولد العبّاس الى بيت ولد علي، اعتب على نفسك وأهلك، جئت بهذا الساحر من ولد السحرة، وقد كان خاملًا فأظهرته، ووضيعاً فرفعته، ومنسياً فذكرت به، ومستخفّاً به فنوهت به، قد ملأ الدنيا مخرقةً وتشوقاً ... ما أخوفني أن يخرج هذا الأمر عن ولد العباس الى ولد علي، بل ما أخوفني أن يتوصل بسحره الى ازالة نعمتك والتوثب على مملتك، هل جنا أحد على نفسه وملكه مثل جنايتك؟
فقال المأمون: قد كان هذا الرجل مستتراً عنا يدعو الى نفسه فأردنا أن نجعله وليّ عهدنا ليكون دعاؤه الينا، ولنعرف ما يخالفه والملك لنا، وليعتقد فيه المعترفون به انه ليس مما ادعى في قليل ولا كثير، وأن هذا الأمر لنا من دونه، وقد خشينا ان تركناه على تلك الحالة أن يتفق علينا منه ما لا نسدّه، ويأتي علينا ما لا نطيقه، والآن وإذ قد فعلنا به ما قد فعلنا وأخطأنا في أمره ما أخطأنا وأشرفنا من الهلاك- بالتنويه به- على ما أشرفنا، فليس يجوز التهاون في أمره، ولكنا نحتاج أن نضع منه قليلًا قليلًا حتى نصوّره عند الرعايا بصورة من لا يستحق هذا الأمر، ثم ندبّر فيه بما يحسم عنا مواد بلائه» «1».