وبالفعل نجح المأمون في هذا التدبير، فلم يحدث التاريخ بأن أحداً من العلويين خرج على المأمون أو تحرك ضده خلال السنتين اللتين عاشهما الإمام الرضا عليه السّلام بعد ولاية العهد، مراعاة لجانب الإمام، وعامة الشيعة كانوا يعتبرون الإمام شريكاً في الحكم.
وكان الإمام في بيت والمأمون وضع عليه رقابة تحصي عليه أنفاسه، وضيق عليه ومنع عنه مواليه وخاصته، ولم يتكلم الإمام في داره بشي ء الّا يبلغه الحاجب ولم يفسح المجال لبيان ما هو الواقع الّا لبعض خواصه سراً.
قال محمّد بن عرفة: «قلت للرضا عليه السّلام: يا ابن رسول اللَّه ما حملك على الدخول في ولاية العهد؟ فقال: ما حمل جدي أميرالمؤمنين على الدخول في الشورى» «١».
قال الريان بن الصلت: «دخلت على علي بن موسى الرضا عليه السّلام، فقلت له: يا ابن رسول اللَّه، الناس يقولون: انك قبلت ولاية العهد مع اظهارك الزهد في الدنيا، فقال عليه السّلام: قد علم اللَّه كراهتي لذلك، فلما خيرت بين قبول ذلك وبين القتل اخترت القبول على القتل، ويحهم أما علموا أن يوسف عليه السّلام كان نبياً ورسولًا فلما دفعته الضرورة الى تولي خزائن العزيز«قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ» «2» ودفعتني الضرورة الى قبول ذلك على اكراه واجبار بعد الاشراف على الهلاك، على أني ما دخلت في هذا الأمر الّا دخول خارج منه، فالى اللَّه المشتكى وهو المستعان» «3».