فصل في بيان حدوث الأجسام بالبرهان من ماخذ آخر مشرقي (1) غير ما سلف في مباحث احكام الجوهر من العلم الكلى وهو ان كل شئ يوصف بصفه من الصفات لا بد ان لا يكون بحسب وجود نفسه ومرتبه قابليته ومعروضيته موصوفا بما ينافي تلك الصفة والا لزم اتصاف امر واحد بالمتنافيين سواء كان الاتصاف بحسب العقل في ظرف التحليل أو في الخارج.
والقسم الأول كالماهية في اتصافها بالوجود وعروضه لها فان الماهية لو كانت بحسب نفسها معدومه لما أمكن عروض الوجود لها بل ينبغي ان لا تكون الماهية من حيث نفسها متعينة بأحد الطرفين أعني الوجود والعدم حتى يتصور عروض شئ منهما لها.
والقسم الثاني كالمقدار الجسماني أو الاتصال الامتدادي العارض للهيولي فإنه يجب ان يكون الهيولى غير متعينة الذات باللا مقدار ولا متجردة في ذاتها عن الامتداد حتى يمكن قبولها للممتد في ذاته واتصافها بالمقدار لذاته وكذا الوضع والحيز إذا عرض لشئ وصار ذلك الشئ بعروضه إياه ذا وضع وحيز يجب ان لا يكون بحسب وجوده في نفسه مجردا عن الأوضاع والاحياز فان المفارق عن المقدار في نفسه والمجرد عن الوضع والحيز في وجوده وتعينه لا محاله يكون وجوده وجود امر عقلي بل يكون بالضرورة عقلا صرفا مفارق الذات عن المقدار والجسمية ولوازمها فكيف يسنح له ما يجعله متجسما ذا وضع ويعرض له التلبس بهذه الأمور.
فظهر ان الامر القابل لمثل هذه الأمور يجب ان يكون حالته بالقياس إليها حاله امكانية مبهمه ناقصه نسبه تلك الحالة إلى كل منها نسبه النقص إلى الكمال ونسبه الضعف إلى القوة ولهذا يقال إن الهيولى في ذاتها لا متصله ولا منفصله ولا واحده ولا كثيره ولا ذات وضع وحيز ولا غير ذات وضع وحيز