إذا انتقلت من حد القوة والاستعداد إلى حد العقل بالفعل صار من الرجال البالغين في شهوة المعرفة وغيره من افراد البشر بالنسبة اليه كالولدان والنسوان في باب لذه المعرفة وشهوة الحكمة فمن لم يخلق فيه هذه الشهوة فهو اما صبي بعد لم يكمل عقله أو عنين افسد كدوره الدنيا وشهواتها فطرته الأصلية.
فالعارفون لما رزقوا شهوة المعرفة ولذة النظر إلى وجه الله ومطالعة جلاله فهم في مطالعتهم جمال الحضرة الإلهية في جنه عرضها السماوات والأرض بل أكثر وأوسع (1) فهم ينظرون إلى العاكفين في حضيض الشهوات نظر العقلاء إلى الصبيان عند عكوفهم على لذه اللعب بالتماثيل المزخرفة ولذلك تراهم يستوحشون من أكثر الخلق ويؤثرون العزلة والخلوة والذكر وهو أحب الأشياء لهم ويهربون من المال والجاه علما منهم بأنه يشغلهم عن لذه المناجاة مع الله ويتجردون عن أهلهم وأولادهم ترفعا عن الاشتغال بهم عن الله فترى الناس يضحكون عليهم ويستهزؤن بهم ويقولون في حق من يرون منهم انه موسوس مجنون وهم يتعجبون من الناس ويضحكون عليهم بقناعتهم بمتاع الدنيا الفانية ولذاتها المزخرفة ويقولون ان تسخروا منا فانا نسخر منكم كما تسخرون.
والعارف مشتغل بتهيئة سفينة النجاة لنفسه ولغيره لعلمه بخطر المعاد إذا جاءت الطامة الكبرى فيضحك على أهل الغفلة عن عذاب الله والسؤال والحساب وعقاب يوم الآخرة وسوء المرجع والمآب عند كشف الغطاء واظهار البواطن والسرائر وتحصيل ما في الصدور واخراج من في القبور وابراز الجحيم وأشرارها والجنة وأبرارها كما يضحك العاقل على الصبيان واشتغالهم باللهو واللعب عندما ورد سلطان قاهر على البلد يريد ان يحاسب أهله ويقتل بعضهم ويخلع على بعضهم ويخلد بعضهم محبوسا في سجنه ويرفع بعضهم إلى مجلس قربه.