خالصه عن الاغيار ورسومها مصفاة عن الملابس والأغشية حتى إذا غابت تلك الاشخاص الجرمانية عن مشاهده الحواس لما زالت رسومها وصورها عن النفس بل بقيت تلك الرسوم والصور المعشوقة المحبوبة مصورة فيها أعني النفس الجزئية صورا روحانية صافيه عن المواد.
ثم إذا قويت النفس وصارت إلى مقام العقل انتقلت معها الصور المرسومة في قوه خياله من ذلك المقام إلى ما فوقه فصارت معشوقاتها باقيات صالحات وهي صور كليه دائمة عقلية متحده بها لا يخاف فراقها ولا دثورها وتغيرها واستحالتها أبد الآبدين.
مثال ذلك ان من ابتلى بعشق أحد في بعض أيام عمره ثم تسلى عنه أو فقده فإذا وجده بعد مده من الدهر وقد تغير عما كان عليه من الحسن والجمال وتلك الزينة والمحاسن كان يراها على ظاهر جسمه فنظر إلى تلك الرسوم والصور التي في خياله للعهد القديم وجدها بحالها لم يتغير ولم يتبدل ورآها برمتها مرتسمة في نفسه من تلك المحاسن والرسوم والأصباغ والاشكال والتخاطيط على ما كانت من قبل وكان يراها بزعمه على الغير من بعيد ويجد اليوم كلها في نفسه منتزعه عن الغير مسلوبة عنه ما كان قبل ذلك يلتمسه عنه خارجا عن ذاته فعند ذلك يتفطن اللبيب بان المعشوق بالحقيقة ليس بأمر خارج عن ذاته لان تلك الرسوم والصور الحسان التي كان يراها على ذلك الشخص وهو اليوم يجدها منقوشة في نفسه مرسومه في ذاته متمثلة بين يدي جوهره مصورة عنده باقيه ثابته على حاله واحده لم تتغير.
فإذا فطن العاقل الذكي بما وصفناه انتبهت نفسه من نوم غفلتها واستيقظت من رقدة جهالتها وعلمت ان المعشوق بالحقيقة لم يوجد ولا يوجد في الأجسام والمواد الكثيفة والأبدان اللحمية والدموية واستراحت نفسه عند ذلك من التعب والعناء ومقاساه صحبه الغير وتحمل المشاق الشديدة والشقاء الذي لا يزال يعرض لعشاق الأجسام ومحبي الأبدان ويقول كما قال القائل صحى القلب عن سلمى واقصر باطله * وعرى أفراس الصبي ورواحله