فما أشد سخافة عقل من كان مرجعه إلى يوم الآخرة وهو مشتغل اليوم بكسب المال والجاه والتفوق على الغير بالذهب والفضة والانعام والحرث والنسل وبين يديه هذه العقبات وفي طريقه الأهوية المهلكات والصادق ع يقول رب شهوة ساعة أورثت حزنا طويلا وسئل الجنيد عن صفه المحب فقال دائم الفكر كثير الخلوة قليل الخلطة لا يبصر إذا نظر ولا يسمع إذا خوطب ولا يفهم إذا تكلم ولا يحزن إذا أصيب ولا يفرح إذا أصاب ينظر إلى الله في خلواته ويأنس به ويناجيه في سره وجهره ولا ينازع أهل الدنيا في دنياهم تراه حزينا يخشى حرمان ما يرجو ويخاف فوت ما يطلب قد دهش عقله من مطالعه جلال الله قليل المنام قليل الطعام دائم الأحزان للناس شان وله شان إذا خلى حن وإذا تفرد ان وله شربه من كأس الوداد واستيحاش من جميع العباد انتهى كلامه.
أقول ما ذكره هو من أحوال المحبين في مبادي سلوكهم إلى الله وفي أوقات انزعاجهم من خلق إلى الحق واما عند الوصول وانشراح الصدر بنوره وسعه القلب لاستوائه فهم من أهش خلق الله وأوسعهم خلقا وأشدهم فرحانا بمطالعه جلال الله ورؤيته في كل شئ وكذلك كان النبي ص قبل البعثة متوحشا من الخلق متخليا بعباده ربه في جبل حراء ثم وسع الله قلبه وعظم خلقه فبعثه إلى كافه الخلائق واشتغل بهدايتهم وتعليمهم الكتاب والحكمة والى ذلك أشار بقوله تعالى ا لم نشرح لك صدرك إلى آخر السورة وسنرجع إلى تحقيق هذا المقام في موعده انشاء الله.
قال بعض العلماء ولا تظنن ان روح العارف من الانسراح في رياض المعرفة وبساتينها أقل من روح من يدخل الجنة التي يعرفها ويقضى فيها شهوة البطن والفرج وانى يتساويان بل لا ينكر ان يكون في العارفين من رغبه في فتح أبواب المعارف لينظر إلى ملكوت السماوات والأرض وجلال خالقها ومدبرها أكثر من رغبه الناس في المأكول و المنكوح والملبوس وكيف لا يكون هذه الرغبة أغلب وهي مشاركه للملائكة في الفردوس الاعلى إذ لاحظ للملائكة في المطعم والمشرب والمنكح ولعل تمتع البهائم بهذه الأمور يزيد على تمتع الانسان فان كنت ترى مشاركه البهائم في لذاتها أحق بالطلب