الموجودات وجبلات النفوس محبه الكون والبقاء على أتم الحالات التي تخصها وأتم حالات النفس الشهوانية أن تكون موجوده ابدا تتناول شهواتها وتتمتع بلذاتها التي هي مادة وجود اشخاصها من غير عاعق ولا منغص فهي ابدا عاشقه للاكل والجماع لا غير وهكذا من أتم حالات النفس الغضبية أن تكون موجوده رئيسه على غيرها غالبه على عدوها منتقمة ممن يؤذيها من غير عائق ولا منغص فهي ابدا عاشقه للقهر والانتقام.
ومن أتم حالات النفس الشيطانية أن تكون مكاره محيله جربزة كذوبه مظهره للأمور على غير ما هي عليه شانها التدليس والتلبيس بابراز المقدمات الباطلة في صوره الحق واظهار الأكاذيب الواهية بهيئة الصدق فهي ابدا عاشقه للمكر والحيلة والوسوسة والمواعيد الكاذبة والأماني الباطلة كما قال تعالى في صفه الشيطان يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان الا غرورا.
ومن أتم حالات النفس الملكية ان تعرف الحقائق على ما هي عليها وتؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتزهد في الدنيا وترغب في الخلوة للمناجاة مع الله وتتفكر في صنع الله وملكوته راضية بقضائه فهي ابدا عاشقه للمعارف الإلهية والكون مع الله بلا عائق وحاجب مسرورة بذكره كارهة للكون في الدنيا متمنية للموت والخروج من هذه النشأة المجازية إلى الدار الآخرة تشوقا إلى جوار الله ومشاهده لقائه وهذه الخصال لا توجد الا في خواص الناس من الأخيار الذين هم بمنزله الملائكة المقربين والرسل المكرمين وأكثر الناس قصرت أفهامهم عن تصور هذه الخصال لقلة معرفتهم و كدوره أذهانهم لانغماسها في بحر الهيولى فرضوا بهذه الصور والأشباح الجسدانية المؤلفة من العناصر والأبدان المركبة من اللحم والدم والاخلاط العفنة الظلمانية واطمأنوا بها تمنوا الخلود معها وذلك لنقص جوهرهم ودنائة نفوسهم كما ذكر الله عز وجل ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون وآيات كثيره من القرآن في هذا المعنى.
ثم لا يخفى عليك ان كل محب لشئ من الأشياء الدنيوية مشتاق اليه هائم به عند الفقدان وانه متى وصل اليه ونال ما يهواه منه حصل مقصوده وبلغ حاجته من الاستمتاع والتلذذ بقربه فإنه لا بد يوما أو ساعة ان يفارقه ويمله أو يتغير عليه ويذهب عنه تلك الحلاوة